على أنّ أبا طالب لم ينأ عن النبيّ 6 قطّ بل كان يقرب منه و يخالطه و يقوم بنصرته فكيف يكون المعنيّ
بقوله: و ينأون عنه.
و قال- ره-
في تفسير قوله تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ
يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (القصص آية 56) قيل:
نزلت قوله «إنك لا تهدي من أحببت» في أبي طالب فانّ النبيّ 6
كان يحبّ إسلامه فنزلت هذه الاية، و كان يكره إسلام وحشي قاتل حمزة فنزل فيه يا
عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ
اللَّهِ الاية (الزّمر- 54) فلم يسلم أبو طالب و أسلم وحشي و رووا ذلك عن
ابن عباس و غيره.
و في هذا نظر
كما ترى، فإنّ النبيّ 6 لا يجوز أن يخالف اللَّه سبحانه في
إرادته كما لا يجوز أن يخالفه في أوامره و نواهيه، و إذا كان اللَّه تعالى على ما
زعم القوم لم يرد إيمان أبي طالب و أراد كفره، و أراد النبيّ إيمانه فقد حصل غاية
الخلاف بين إرادتي الرسول و المرسل، فكأنه سبحانه يقول على مقتضى اعتقادهم إنك يا
محمّد تريد إيمانه و لا اريد إيمانه، و لا أخلق فيه الايمان مع تكلّفه بنصرتك و
بذل مجهودة في إعانتك و الذبّ عنك و محبّته لك و نعمته عليك، و تكره أنت إيمان
وحشي لقتله عمّك حمزة و أنا اريد إيمانه و أخلق في قلبه الايمان و في هذا ما فيه.
و قد ذكرنا
في سورة الأنعام أنّ أهل البيت : قد أجمعوا على أنّ أبا طالب مات
مسلما، و تظاهرت الروايات بذلك عنهم، و أوردنا هناك طرفا من أشعاره الدالة على
تصديقه للنبيّ 6 و توحيده، فإنّ استيفاء ذلك جميعه لا تتّسع
له الطوامير، و ما روي من ذلك في كتب المغازي و غيرها أكثر من أن يحصى. يكاشف فيها
من كاشف النبيّ 6 و يناضل عنه و يصحّح نبوّته.
و قال بعض
الثقات: إنّ قصائده في هذا المعنى الّتي تنفث في عقد السحر و تعير وجه شعراء الدهر
يبلغ قدر مجلّد و أكثر من هذا. و لا شكّ في أنه لم يختر تمام مجاهرة الأعداء
استصلاحا لهم و حسن تدبيره في دفع كيادهم لئلّا يلجئوا الرسول