اسم الکتاب : رحلة أبي طالب خان إلى العراق و أوروبة المؤلف : أبو طالب بن محمد الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 79
هذه البلاد أنّ المستنقعات و الأنهار يجمد ماؤها بكليته [1]، و إذ كان الصقيع جدّ جاسئ لتحمل ثقل كثير يجتمع كثير من النّاس للتزحلق و التزلّق عليه، و يتخذون لذلك التروض بغالا من الخشب قد طبقت عليها قطع من الحديد القاطع، و هذا اللعب في أوّل أمره يظهر أنّه عسير جدا، و هكذا يصيب الإنسان دائما، في ابتداء التروض، عدّة سقطات، و لكن بعد عدّة أشهر من التدرب و التمرن، يستطيع الإنسان أن ينزلق فوق الصقيع بسرعة لا يمكن تصورها، و يستدير إلى كل منحى، و قد رأيت أشخاصا يخطون اسم سيدة ما بأعقاب نعالهم التزحلقية. و في فرنسا و إنكلترا و إيرلندا لا يتزحلقون إلّا للمتعة و لكني سمعت أنّ النّساء في هولندا، يتزحلقن هكذا في الأسواق حاملات حتّى مسافة عشرين ميلا سلال بيض و زبد ثمّ يعدن للتغدّي في دورهن.
إنّ الأربعة و الأربعين يوما الّتي أمضيتها في دبلن كانت أجمل أيّام حياتي [2]، فاللورد و الليدي «كلارندون» أكثرا من رعايتي و العناية بي، و الدوق «ليسستر» أفضل رجل في المملكة أثقل كاهلي بألطافه. و داره أجمل دار في دبلن، و عنده جمهرة تماثيل و ألواح رسم ثمينة، و عدّة بنات ساحرات بجمالهن رائعات، و قد كان لي شرف التعرّف إلى الجنرال «فالنسي» الّذي مع قوامه القصير كان طيب القلب، و كان يعرف اللغة العبرية و العربية و الفارسية، و قد أكّد لي أنّ بين الهنود و الإيرلنديين تجانسا كبيرا.
و السيّدة «فليمينك» لما علمت بأنّي عرفت زوجها في كلكتا رجت منّي أن أزورها في دارها في الحال، و كان لي منها ألف لطف [3]، و سألتني ذات يوم هل زوجها مبتهج في كلكتا؟ فقلت لها: «كيف يمكن أن يكون سعيدا و هو بعيد عن صاحبة له لها هذا التحبب و هذه الظرافة؟ [4]». فخجلت السيّدة فليمينك و قالت لي: إنّك ملّاق. و ابنتان من بناتها قد صحبتا أباهنّ إلى الهند، و لها ثلاث بنات أخر يقمن معها، و هن جميلات كحور الجنّة العين.
[1] هذا غير معقول فالطبقة العليا هي الّتي تجمد. (المترجم).
[2] و سنرى ماذا يقول في أيّام لندن عاصمة أحبائه و أوليائه؟. (م).
[3] ليس المراد عندهم حقيقة العدد بل كثرة المعدود. (م).
[4] تأمّل أسلوب الرحالة في تملق النّساء و هو ما أشرنا إليه قبلا.
اسم الکتاب : رحلة أبي طالب خان إلى العراق و أوروبة المؤلف : أبو طالب بن محمد الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 79