لا خلجة فيه من الشك عندنا أن النبوءات التي جاءت في نهج البلاغة عن الحجاج بن يوسف و فتنة الزنج و غارات التتار و ما إليها، هي من مدخول الكلام عليه، و مما أضافه النساخ إلى الكتاب بعد وقوع تلك الحوادث بزمن قصير أو طويل.
و لا نجزم مثل هذا الجزم في أمر المقامات التي خلت من بعض الحروف، لأنّ العقل لا يمنعها قطعا كما يمنع استطلاع الغيب المفصل من أزياج النجوم، و لكنا نستبعد جدا أن تكون هذه المقامات من كلام الإمام لاختلاف الاسلوب و اختلاف الزمن و حاجة النسبة هنا إلى سند أقوى من السند الميسر لنا بكثير» [1] .
قد أشار إليها و أجاب عنها سيدنا الشهرستاني، و نكتفي بقوله حيث أتى بالحق الواضح، فقال: «إنّ المجموع من خطبه 7 يتضمّن أنباء غيبية و أخبار الملاحم و الفتن مما يختص علمه باللّه وحده. و الجواب عنها: أن الغيب يختص علمه باللّه سبحانه و من ارتضاهم من انبيائه و أوليائه، و كم حوت السنّة النبوية أنباء غيبية و أخبارا عن الملاحم و الفتن، و ما ذلك عن النبي الكريم إلاّ بوحي من ربه العليم الخبير، كذلك لا ينطق ابن عمه و ربيب حجره و صاحب سره في الملاحم و الخفايا إلاّ بخبر عن رسول اللّه 6 و لقد قيل له 7: لقد اعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب؟ فأجاب 7: «ليس هو بعلم غيب و إنما تعلّم من ذي علم» . و لا غرو فقد ثبت عن رسول اللّه 6 فيه انه قال: «أنا مدينة العلم و عليّ بابها»و قول عليّ 7: «لقد علّمني رسول اللّه 6 ألف باب من العلم يفتح من كل باب ألف باب» .
فمن اختص من مهبط الوحي و مدينة العلم بمثل هذا الاختصاص لا يستغرب منه أن يملأ الكتب من أسرار الكائنات و كامنات الحوادث، و لنعتزل عن خطبه المروية في النهج و نسلك آثاره المتواترة في التاريخ، فقد روى عنه المؤرخون كالمسعودي في مروج الذهب و ابن ابي الحديد في شرح النهج و ابن بطة في الإبانة و ابي داود في السنن و غيرهم في غيرها إنّه تنبأ بمصير الخوارج حينما أخبره الناس بأنهم عبروا النهر، قال 7: «لا يفلت