لا شكّ أن للبلاغة العربيّة أهميّتها و ضرورتها لكلّ من الناقد و الأديب و المتخصّص في ميدان اللغة العربيّة و آدابها. و لا يخفى ما للبديع، و هو العلم الذي لا غنى عنه لتتألّف البلاغة العربيّة، من أهميّة لا تقلّ عمّا لعلم البيان و علم المعاني من أهميّة، و هو الفنّ الذي تناوله ابن حجّة الحمويّ في خزانة الأدب هذه، و ذلك من خلال فنّ «البديعيات» .
و لمّا كان ابن حجّة الحمويّ يجمع في بديعيّته بين تضمين ألفاظ البيت، ما يشير إلى نوع المحسّن اللفظيّ أو المعنويّ الذي بناه عليه، و بين رقّة الشعر و جمال النظم و سلاسته، مقتديا بعزّ الدّين الموصلي وصفيّ الدّين الحلّيّ اللذين سبقاه إلى نظم «البديعيات» ، فقد زاد بذلك عليهما، إذ جمع في بديعيّته مائة و سبعة و أربعين نوعا من المحسّنات البلاغية اللفظيّة و المعنويّة، و له الفضل في تسمية أنواع عديدة، منها:
التصدير، و الالتزام و غيرهما. و ربّما كان «شرحه» [1] لبديعيّته أهمّ من البديعيّة نفسها، إذ إنّه جعله شرحا مطوّلا، حوّله فعلا إلى «خزانة أدب» أودعها كثيرا من علمه و معرفته و نوادره و طرائفه، و المساجلات الأدبية التي نشأت في عصره (القرن التاسع الهجريّ) ، فغدت خزانته موسوعة تجمع بين اللغة و الأدب و البلاغة و النقد و الشعر و النثر و التاريخ و التراجم. حتى ليمكن اعتبارها أيضا مرجعا خاصّا مهمّا لشعراء العصرين الأيّوبيّ و المملوكيّ فضلا عن كونها مرجعا عامّا له قيمته العلمية و الأدبية، و أثره البالغ في الكتب الأدبية و البلاغية و النقديّة التي تلته.
إلاّ أنّ هذا كلّه كان مخطوطا أو مطبوعا دون تحقيق، تنازعته أقلام النسّاخ، و الآن تتنازعه دور الطباعة و دور المخطوطات، دون أن يعمد أحد حتّى الآن إلى تحقيقه
[1] سأبيّن قيمة هذا الكتاب العلمية، و أثره في قسم الدراسة.