responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الذريعة إلى حافظ الشريعة المؤلف : رفيع الدين محمد الجيلاني    الجزء : 1  صفحة : 194

قال 7: «انظر إلى النحل واحتشاده في صنعة العسل، وتهيئة البيوت المسدّسة، وما ترى في ذلك من دقائق الفطنة؛ فإنّك إذا تأمّلت العمل رأيته عجيباً لطيفاً، وإذا رأيت المعمول وجدته عظيماً شريفاً موقعه من الناس، وإذا رجعت إلى الفاعل ألفيته غبيّاً جاهلًا بنفسه فضلًا عمّا سوى ذلك، ففي هذا أوضح الدلالة على أنّ الصواب والحكمة في هذه الصنعة ليس للنحل، بل هي للذي طبعه عليها وسخّره فيها لمصلحة الناس.

انظر إلى هذا [الجراد] ما أضعفه وأقواه، فإنّك إذا تأمّلت خلقه رأيته كأضعف الأشياء، وإن دلفت عساكره نحو بلد من البلدان لم يستطع أحد أن يحميه؛ ألا ترى أنّ ملكاً من ملوك الأرض لو جمع خيله ورَجِله ليحمي بلاده من الجراد لم يقدر على ذلك، أفليس من الدلائل على قدرة الخالق أن يبعث أضعف خلقه إلى أقوى خلقه، فلا يستطيع دفعه.

انظر إليه كيف ينشاب على وجه الأرض مثل السيل، فغشي السهل والجبل والبدو والحضر حتّى يستر نور الشمس بكثرته، فلو كان لهذا ممّا يصنع بالأيدي، متى يجتمع منه هذه الكثرة؟ وفي كم من سنة كان يرتفع؟ فاستدلّ بذلك على القدرة التي لا يؤودها شي‌ء، ولا يكبر عليها.

تأمّل خلق السمك ومشاكلته للأمر الذي قدر عليه، فإنّه خلق غير ذوي قوائمَ؛ لأنّه لايحتاج إلى المشي، إذ كان مسكنه الماء، وخُلق غيرَ ذي ريةٍ لأنّه لايستطيع أن يتنفّس [وهو منغمس‌] في اللجّة، وجُعلت له مكانَ القوائم أجنحةٌ شداد يضرب بها في جانبيه كالملّاح بالمجاويف من جانبي السفينة، وكسى جسمه قشوراً مِتاناً متداخلة كتداخل الدروع والجواشن ليقيه من الآفات، فاعين بفضل حسّ في الشمّ؛ لأنّ بصره ضعيف والماء يحجبه، فصار الشمّ من البُعد البعيد فينتجعه، وإلّا فكيف يعلم بموضعه؟

واعلم أنّ مِن فيه إلى صماخيه منافذَ، فهو يعبّ الماء بفيه، ويرسله من صماخيه، فيتروّح إلى ذلك كما يتروّح غيره من الحيوان إلى تنسُّم هذا النسيم.

اسم الکتاب : الذريعة إلى حافظ الشريعة المؤلف : رفيع الدين محمد الجيلاني    الجزء : 1  صفحة : 194
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست