responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الذريعة إلى حافظ الشريعة المؤلف : رفيع الدين محمد الجيلاني    الجزء : 1  صفحة : 175

ثمّ فكِّر في خلق هذه الأرض على ما هي عليه حين خلقت راتبةً راكنةً، فتكون موطناً مستقرّاً للأشياء، فيتمكّن الناس من السعي عليها في مآربهم، والجلوس عليها لراحتهم، والنوم لهدوئهم، والإتقان لأعمالهم؛ فإنّها لو كانت رَجْراجَةً [1] منكفئةً لم يكونوا يستطيعون أن يتقنوا البناء والتجارة [2] والصناعة وما أشبه ذلك، بل كانوا لا يتهنّؤون بالعيش والأرض ترتجّ من تحتهم، واعتبر ذلك بما يصيب الناسَ في الزلازل على قلّة مكثها حتّى‌ يصيروا إلى ترك منازلهم والهرب عنها.

فإن قال قائل: فلِمَ صارت هذه الأرض تزلزل؟

قيل له: إنّ الزلزلة وما أشبهها موعظة وترهيب يرهّب بها الناس؛ ليردعوا وينزعوا عن المعاصي، وكذلك ما ينزل بهم من البلاء في أبدانهم وأموالهم تجري في التدبير على ما فيه صلاحهم واستقامتهم، ويدّخر لهم إن صلحوا من الثواب والعوض في الآخرة ما لا يعدله شي‌ء من امور الدنيا، وربّما عجّل ذلك في الدنيا إذا كان صلاحاً للعامّة والخاصّة.

ثمّ إنّ الأرض في طباعها الذي طبعها اللَّه عليه باردة يابسة، وكذلك الحجارة، أفرأيت لو أنّ اليبس أفرط على الأرض قليلًا حتّى‌ يكون حجراً صلداً كانت‌ [3] تنبت هذا النبات الذي به حياة الحيوان؟ وكان يمكن بها حرث أو بناء؟ أفلا ترى كيف تنصّبت من يبس الحجارة وجعلت على ما هي عليه من اللين والرخاوة ليتهيّأ للاعتماد.

ومن تدبير الحكيم- جلّ وعلا- في خلقة الأرض أنّ مهبّ الشمال أرفع من مهبّ الجنوب، فلِمَ جعل اللَّه عزّوجلّ كذلك إلّالينحدر المياه على‌ وجه الأرض، فيسقيها ويرويها، ثمّ يفيض آخرَ ذلك إلى البحر، فكما يرفع أحد جانبي السطح ويخفض الآخر لينحدر الماء عنه ولا يقوم عليه، كذلك جعل مهبّ الشمال أرفعَ من مهبّ الجنوب لهذه العلّة بعينها، ولولا ذلك لبقي الماء متحيّراً على‌ وجه الأرض، فكان يمنع الناس من اعتمالها ويقطع الطريق والمسالك.


[1]. رَجْراجَة، أي مضطربة. لسان العرب، ج 2، ص 282 (رجج).

[2]. في المصدر: «النجّارة».

[3]. في المصدر: «أكانت».

اسم الکتاب : الذريعة إلى حافظ الشريعة المؤلف : رفيع الدين محمد الجيلاني    الجزء : 1  صفحة : 175
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست