فلعلّه ; لما كان يخطط للحدائق أن يكون كتابا علميّا واسعا و موسوعة ضخمة، أراد أن يثبت بعض آرائه و ما تجود به قريحته العلمية في كتب أخرى خشية أن تحول طوارق الحدثان دون إتمام تلك الموسوعة؛ فيفوّت فرصة إثبات ما يرتئيه من مطالب و بحوث يهدف منها خدمة هذا الدين الحنيف. و مسألة أخرى لا يمكن أن يغفل عنها أحد هي أن الحدائق موسوعة فقهية بحتة، غاية ما يمكن أن يدخله فيها شيء من الاصول و الرجال باعتبارها من مقدّمات علم الفقه و وسائله، أما كتاب مثل الدرر فيمكنه أن يكتب فيه في كل فن كما أشرنا لذلك في أوّل المقدّمة.
و هذا اللون من الكتابة ضروري؛ لأن الكاتب قد يكون غير مختصّ بعلم التاريخ مثلا غير أنه يريد أن يتناول جانبا منه يرى فيه موضع حاجة للعامة لمعرفة خفاياه و أسراره فيكتب في ذلك الموضوع فقط، و هكذا في بقية العلوم الاخرى ممّا هي غير داخلة في مضمار تخصصه، مع أنه يجد من نفسه حاجة لأن يكتب في بعض جوانبها، و هو ممّا يجعله يخرج بحصيلة هي كشكول جامع لشتى فنون المعرفة. هذا من ناحية، و من ناحية أخرى إنّ الكاتب بوضعه كتابا مثل هذا يريد أن يختصر المسافة على القارئ فيضع بين يديه كتابا يتناول عامة المواضيع التي يرى- من وجهة نظره- أنها موضع حاجته فيكفيه عن عدّة كتب تبحث في المجالات التي تناولها هذا الكشكول. و هذا ما يذكّر بما نقل عن الوزير الصاحب بن عبّاد الذي كان يستصحب في سفره حمل ثلاثين جملا من