اسم الکتاب : الاجتهاد و التقليد و سلطات الفقيه و صلاحياته المؤلف : الشيخ محمد مهدي الآصفي الجزء : 1 صفحة : 74
حدود الحديث و المأثور عن الصحابة و التابعين.
و مهما يكن من شيء فقد نشطت مدرسة الحديث في الحجاز في مقابل مدرسة الرأي بالعراق، و تعصّب لها ناس كثير من الفقهاء و أخذوا يدعون إليها، في الوقت الذي كانوا يعارضون فيه مدرسة الرأي، مما ساعد على توسّع هذه المدرسة و تراجع أصحاب الرأي عن موقفهم من الحديث و من الرأي معا.
و ذلك مثل ما حصل عند أبي حنيفة و تلامذته الأولين، حيث أخذوا يخالفون طريقة استاذهم أبي حنيفة، و لم يبقوا أوفياء لها، فنجد مثلا محمد ابن الحسن الشيباني يرحل إلى المدينة لأخذ الحديث، و ألّف كتاب الآثار، و أخذ ينزل من كلام استاذه و أهل العراق على مقتضى الآثار ... و هكذا تطورت مدرسة الرأي و تباعدت عن طريقها الأوّل بإزاء نهوض الحديث و جهود المحدّثين في هذا العصر [1].
و لما حدثت فتنة خلق القرآن وقف المأمون من أصحاب الحديث موقف المعارض، فامتحنهم بألوان من التعذيب و البلاء و شدّد في مطاردتهم و التنكيل بهم فأثّر ذلك كلّه في بعد الشقّة بين المدرستين، مدرسة الرأي و مدرسة الحديث.
و قد كان من أهل الحديث أناس معتدلون يأخذون بالرأي، إن كان هناك في الحديث أو في الشريعة ما يؤيده و يأمر بالأخذ به، و يلغون الرأي إن لم يكن في الحديث ما يشير إلى الأخذ به.