إنّ الصلاة متقوّمة في داخلها بالنجوى؛ لأنّ المصلّي يناجي ربّه، فليست الصلاة إلّا النجوى، و محفوفة في حاشيتيها بالدعاء؛ لأنّ المصلّي يستقبل صلاته، و كذا يعقبها بذلك، فليست المقدّمة و لا المؤخّرة إلّا الدعاء؛ و ذلك لأنّ العبد التامّ هو الذي يكون متقوّما بالنجوى، و محفوفا بالدعاء القادم و الغابر، إذ لا يجد العبد في ذاته إلّا الفيض الإلهيّ الخاصّ الذي قوّمه، و لا يشاهد ما بين يديه و لا ما خلفه إلّا الجود الإلهيّ الذي تقدّم عليه و تأخّر منه، فليس هو نفسه إلّا فيضا محفوفا بالجود، و يمثّل كيانه الخاصّ بالصلاة المحفوفة بالدعاء و المسألة.
و الأصل في ذلك: هو ما قالته الملائكة الّذين هم عباد مكرمون، لا يسبقون اللّه في القول، و هم بأمره يعملون، فلا يشاهدون إلّا معبودهم، حيث قالوا «وَ مٰا نَتَنَزَّلُ إِلّٰا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مٰا بَيْنَ أَيْدِينٰا وَ مٰا خَلْفَنٰا وَ مٰا بَيْنَ ذٰلِكَ وَ مٰا كٰانَ رَبُّكَ نَسِيًّا»[1]، لدلالة هذه الآية الكريمة على أمور:
الأوّل: أنّ نزول الملك إنّما هو بأمره الذي إذا أراد شيئا يقول له: كن، فيكون، و حيث إنّ الصعود كالنزول فلا يتصعّدون إلّا بأمره تعالى.
الثاني: أنّ ما تقدّم الملك و سبقه ممّا كان وجوده- أي: الملك- يتوقّف عليه فهو للّه تعالى.