فصاروا يتجوّلون في المدن الكبرى المجاورة يسألون علماءها عن حلّ لقضيّتهم و كلّما اتّصلوا بعالم و أطلعوه على الأمر أخبرهم بحرمة الزواج و ضرورة تفريق الزوجين إلى الأبد و تحرير رقبة أو صيام شهرين إلى غير ذلك من الفتاوى.
و وصلوا إلى قفصة و سألوا علماءها فكان الجواب نفس الشيء، لأنّ المالكية كلهم يحرّمون الرضاعة و لو من قطرة واحدة اقتداء بالإمام مالك الذي قاس الحليب على الخمر إذ أنّ (ما أسكر كثيره فقليله حرام)، فتحرم الرضاعة و لو من قطرة واحدة من الحليب، و الذي وقع أن أحد الحاضرين اختلى بهم و دلّهم على بيتي قائلًا لهم: اسألوا التيجاني في مثل هذه القضايا فإنه يعرف كل المذاهب، و قد رأيته يجادل هؤلاء العلماء عدّة مرّات فيبزّهم بالحجّة البالغة.
هذا ما نقله اليّ زوج المرأة حرفيّا عند ما أدخلته إلى المكتبة و حكي لي كل القضيّة بالتفصيل من أوّلها إلى آخرها و قال: «يا سيدي أنّ زوجتي تريد الانتحار و أولادي مهملين و نحن لا نعرف حلًّا لهذه المشكلة و قد دلّونا عليك و قد استبشرت خيرا لمّا رأيت عندك هذه الكتب التي لم أشهد في حياتي مثلها فعسى أن يكون الحلّ عندك».
أحضرت له قهوة و فكّرت قليلا ثم سألته عن عدد الرضعات التي رضعها هو من المرأة فقال: لا أدري غير أنّ زوجتي رضعت منها مرّتين أو ثلاث و قد شهد أبوها بأنّه حملها مرّتين أو ثلاث مرات لتلك العجوز المرضعة، فقلت إذا كان هذا صحيحا فليس عليكما شيء و الزواج صحيح و حلال محلّل، و ارتمى المسكين عليّ يقبّل رأسي و يديّ و يقول: بشّرك اللّه بالخير لقد فتحت أبواب