و دل التتبع في مختلف الفترات التاريخية، على أن لانتصار الدين في المجتمع شأنا كبيرا في تدرج الاخلاق. ذلك لان الشعوب تنطبع على غرار قادتها، و تتكيّف بأهداف قوانينها. و لو لم يكن للدين الاّ الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، و تنزيه النفس عن الطمع بالمادة، لكفى.
أما هذا النفر من بقايا الجاهلية، فقد كانوا-كغيرهم من دعاة الطبقية-مطبوعين على المحافظة و التمسك بعادات الآباء و الجدود و النظم البالية و الاوضاع الظالمة. و كانوا من الدين الجديد خصومه الالداء في ابان دعوته، ثم نظروا إليه كوسيلة الى الدنيا، ابان اعتنافهم له.
و ضاعت تحت ظل هذه النوازع أهداف الدين، و خسر المجتمع تدرّجه الى الصلاح المنشود، فاذا بالناس عند مطامع الدنيا «و الدين لعق على السنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم، فاذا محّصوا بالبلاء قلّ الديانون» .
*** و لآل محمد (صلى اللّه عليه و آله) رسالتهم التي لا يتراجعون عنها، لانقاذ الناس لا لنفع أنفسهم، و لاقامة حامية الدين لا اقامة عروشهم، و صيانة المعنويات لا صيانة ذاتياتهم.
فاذا كان معاوية لا يزال يعاند هذه الاهداف و يحارب المنادين بها، ثم يظل منفردا عن المسلمين ببغيه و عدوانه، مأخوذا بشهوة الحكم مأسورا بحب الاستئثار في مشاعره و مذاهبه، فليسر الحسن إليه بالمسلمين، و ليحاكمه الى اللّه، و كفى باللّه حكما.
قال أبو الفرج الاصفهاني: «و كان أول شيء أحدثه الحسن عليه السلام أنه زاد المقاتلة مائة مائة. و قد كان علي عليه السلام فعل ذلك يوم