فقال عمرو: «أما و اللّه لقد وقعت في لهاذم شدقم [1] للأقران ذي لبد، و لا أحسبك منفلتا من مخالب أمير المؤمنين» .
فقال عبد اللّه: «أما و اللّه يا ابن العاص انك لبطر في الرخاء، جبان عند اللقاء، غشوم اذا وليت، هياب اذا لقيت، تهدر كما يهدر العود المنكوس المقيد بين مجرى الشوك، لا يستعجل في المدة، و لا يرتجى في الشدة.
أ فلا كان هذا منك، اذ غمرك أقوام لم يعنفوا صغارا، و لم يمرقوا كبارا، لهم أيد شداد، و السنة حداد، يدعمون العوج، و يذهبون الحرج، يكثرون القليل، و يشفون الغليل، و يعزون الذليل» ؟.
فقال عمرو: «أما و اللّه لقد رأيت أباك يومئذ تخقق [2] أحشاؤه، و تبق أمعاؤه، و تضطرب اصلاؤه [3] كما انطبق عليه ضمد» .
فقال عبد اللّه: «يا عمرو!انا قد بلوناك و مقالتك فوجدنا لسانك كذوبا غادرا، خلوت بأقوام لا يعرفونك، و جند لا يساومونك، و لو رمت المنطق في غير أهل الشام لجحظ [4] عليك عقلك، و لتلجلج لسانك، و لاضطرب فخذاك اضطراب القعود الذي اثقله حمله» .
فقال معاوية: «أيها عنكما» . و أمر باطلاق عبد اللّه لنسيبه. فلم يزل عمرو بن العاص يلومه على اطلاقه و يقول:
«أمرتك أمرا عازما فعصيتني # و كان من التوفيق قتل ابن هاشم
أ ليس أبوه يا معاوية الذي # أعان عليا يوم حز الغلاصم؟
فلم ينثن حتى جرت من دمائنا # بصفين أمثال البحور الخضارم
و هذا ابنه و المرء يشبه شيخه # و يوشك ان تقرع به سن نادم»