الحسن عليه السلام لو سخا بنفسه و بشيعته، و فرضنا أنه كان قد استطاع حضور ميدانه في «مسكن» ، لحكم على نفسه بالموت حتى لا يبقى اسمه الاّ في كتب الانساب، و على مبدئه المقدس بالاعدام حتى لا يبقى منه أيّ أثر بين سمع الارض و بصرها، و لرأيت تاريخه المجيد و تاريخ بيته العتيد، أسطورة مشوهة من أبشع الاساطير، يمليها معاوية كما يشتهي، و يشرحها بعده مروان و آل مروان كما يشاءون.
و كان معنى ذلك نهاية تاريخ الروحية الاسلامية، و بداية تاريخ اموي له طابعه المعروف و خصائصه الغنية عن البيان.
و في الحديث الشريف: «لو لم يبق من بني أمية الاّ عجوز درداء لبغت دين اللّه عوجا [1] » .
ترى، فهل كان في امكان الحسن غير ما كان؟.
و ان أقل استقراء و تدبر، يثبتان أنها كانت افضل طريقة للتخفيف من عرامة الاجراءات المتوقعة، بل كانت الطريقة الوحيدة التي لا ثانية لها.
و حفظ الحسن بها-حين استيقن هذه النتائج كحقائق واقعة- خطوط اتصاله بالاجيال، بل خطوط اتصال أبيه وجده عليهما الصلاة و السلام، من طريق الابقاء على شيعته، و أنقذ بذلك مبدأه من الابادة المحققة، و صان تاريخه من التشويه و التزوير و المسخ و الازدراء.
و انتزع من الخذلان الذي حاق به في دنياه، الانتصار اللامع لروحيته و عقيدته و اخراه.
و هكذا ترك الدنيا ليحفظ الدين.
و ذلك هو طابع الامامة في هذه الزمرة المباركة من آل اللّه.
[1] الخرائج و الجرائح لسعيد بن هبة اللّه الراوندي المتوفى سنة 573 (ص 228) .