الفرار، و عملاء لا يفتأون يبعثون الفتن و يبثون افظع الاخبار.
و هكذا بلغ معاوية «بفتنه» ما أراد، و بات الجيشان كلاهما طعمة الاضطرابات و الحوادث المؤسفة التي لا تناسب ساحة قتال.
*** و ما مني الاسلام منذ ضرب بجرانه على جزيرة العرب، بأفظع من هذه النكبة التي يترنح بها موقف الخلافة الاسلامية، بين تثاقل الجنود، و تخاذل الزعماء، و خيانة القائد، و فتن العدو!.
انها الظروف القاهرة التي بدأت تنذر باكداس من الخطوب و النكبات و التي ستجر حتما الى نهاية تاريخ قصير، كان أفضع و أروع صفحات التاريخ الاسلامي، و ابعدها ارتفاعا في المجد، و أقربها اسبابا الى الفخر.
انها الكارثة التي تؤذن باللحظة المشؤومة في تاريخ الاسلام، اللحظة القائمة على عملية الفصل بين العهدين، عهد الخلافة بمميزاتها و مثالياتها، و عهد «الملك العضوض [1] » و بلائه المقدّر المفروض.
و كان الحسن عليه السلام، أعرف الناس بقيم هذه المعنويات المهددة و أحرص المسلمين على حفظ الاسلام، و الرجل الحديدي الذي لا تزيده النكبات المحيطة به، الا لمعانا في الاخلاص، و اتقادا في الرأي، و استبسالا في تلبية الواجب، و تفاديا للمبدإ.
و لم يكن لتساوره الحيرة، على كثرة ما كان في موقفه من البواعث عليها، و لا وجد في صدره حرجا [2] و لا تلوّما و لا ندما، و لكنه وقف ليختار الرأي، و ليرسم الخطة، و ليتخذ التدابير.
و كان لا بد لاصطفاء الرأي، من دراسة سائر الآراء.
و ذلك ما نريد أن نسميه: «موقف الحيرة» .
[1] قال الدميري (ج 1 ص 58) و بعد ان ذكر خلافة الحسن عليه السلام و أحصى أيامها: «و هي تكملة ما ذكره رسول اللّه (ص) من مدة الخلافة، ثم تكون ملكا عضوضا ثم تكون جبروتا و فسادا في الارض، و كان كما قال رسول اللّه (ص) .. » .
[2] قال ابن كثير (ج 8 ص 19) : «و هو-يعني الحسن عليه السلام-في ذلك، الامام البار الراشد الممدوح، و ليس يجد في صدره حرجا و لا تلوما و لا ندما بل هو راض بذلك، مستبشر به» .