و أحر بجيش يتألف من أمثال هذه العناصر، أن يكون مهددا لدى كل بادرة بالانقسام على نفسه، و الانتقاض على رؤسائه.
و لم يكن الجهاد المقدس-يوما من الايام-وسيلة لطمع مادي، و لا مجالا للمؤامرات الشائكة، و لا مظهرا للعصبيات الجاهلية الهزيلة، و لا مسرحا لتجارب الشكاكين.
و «ازدادت بصيرة الحسن بخذلان القوم له [1] » ، و تراءى له من خلال ظروفه شبح الخيبة الذي ينتظر هذه الحرب في نهاية مطافها، اذ كانت العدة المدخرة لها، هي هذا الجيش الذي لا يرجى استصلاحه بحال.
و أثر عنه كلمات كثيرة في التعبير عن ضعف ثقته بجيشه.
و كان من أبلغ ما أفضى به في هذا الصدد-مما يناسب موضوع هذا الفصل-خطابه الذي خاطب به جيشه في المدائن.
و قال فيه:
«و كنتم في مسيركم الى صفين، و دينكم أمام دنياكم. و أصبحتم اليوم و دنياكم أمام دينكم. و أنتم بين قتيلين، قتيل بصفين تبكون عليه، و قتيل بالنهروان تطلبون [2] بثاره. فاما الباقي فخاذل، و اما الباكي فثائر.. » .
و هذه هي خطبته الوحيدة التي تعرض الى تقسيم عناصر الجيش من ناحية نزعاته و أهوائه في الحرب.
فيشير بالباكي الثائر الى الكثرة من أصحابه و خاصته، و بالطالب للثأر الى الخوارج الموجودين في معسكره[و ما كان ثأرهم الذي يعنيه الاّ عنده] و يشير بالخاذل الى العناصر الاخرى من اصحاب الفتن و اتباع المطامع و عبدة الاهواء.