موضوع عدد الجيش، و تدرّج العدد الكبير فيها من أربعين الفا الى ثمانين الفا فمائة الف.
و الواقع أن المراتب الثلاث بجملتها، معرضة للشك و خاضعة للتمحيص، و حتى أدناها. و إليك البيان:
اما اولا:
فالعدد الاعلى (و هو مائة الف أو اكثر، أو تسعون الفا) فيما يشير إليه زياد ابن أبيه (على رواية اليعقوبي) ، أو فيما ينسب الى سليمان بن صرد (برواية ينفرد بها الدينوري خلافا لمؤرخين كثيرين) مشكوك فيه من جهات:
أهمها أن كلا من هذين الزعيمين-سليمان و زياد-كانا غائبين عن بيعة الحسن و جهاد الحسن و كوفة الحسن، طيلة خلافته في الكوفة و كانا قد غادرا مواطنهما في العراق منذ سنتين [1] . و أيّ قيمة لتصريح غائب لم يشهد الوضع السائد في الكوفة، بما كان يجتاح هذه الحاضرة من تحزّب قويّ و تثاقل لئيم فيما واجهت به امامها و صاحب بيعتها.
و ان زيادا و سليمان اذ يفرضان هذه الاعداد من الجيش فانما يقيسان حاضر الكوفة على ماضيها، و يظنان أنها جنّدت مع الحسن ما كانت تجنده مع أبيه امير المؤمنين سنة 37 و 38 يوم كان كل منهما لا يزال في الكوفة يساهم بنصيبه من تلك الصفوف. هذا اولا. و اما ثانيا، فقد كان من موقف الرجلين كليهما في اللحظة العاطفية التي اندفعا بها الى هذا التصريح، ما يبرر لهما الجنوح الى اسلوب المبالغات، و كانت المبالغة في عدد الجيش تهويلا قريب التناول من جموح العاطفة الناقمة في سليمان، و هو ينكر على
[1] صرح بغياب سليمان بن صرد عن الكوفة كل من ابن قتيبة في الامامة و السياسة، و المرتضى في تنزيه الأنبياء و نص فيه على غيبته سنتين.
و اما زياد فكان والي فارس من سنة 39 بعثه إليها عبد اللّه بن عباس و هو اذ ذاك والي البصرة. و كان زياد قبل سنة 39 في البصرة كما صرح به الطبري في حوادث 39.