فكد كيدك، واسع سعيك، و ناصب جهدك، فو اللّه لا تمحو ذكرنا، و لا تميت وحينا، و لا يرحض عنك عارها، و هل رأيك إلا فند و أيامك إلا عدد، و جمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة اللّه على الظالمين.
و الحمد للّه رب العالمين، الذي ختم لأولنا بالسعادة و المغفرة و لآخرنا بالشهادة و الرحمة، و نسأل اللّه أن يكمل لهم الثواب، و يوجب لهم المزيد و يحسن علينا الخلافة، إنه رحيم ودود، و حسبنا اللّه و نعم الوكيل» .
فقال يزيد:
يا صيحة تحمد من صوائح # ما أهون النوح على النوائح
و من جهل يزيد وغيه و ضلاله قوله بملء فمه غير متأثم و لا مستعظم يخاطب من حضر عنده من ذؤبان أهل الشام: أتدرون من أين أتي ابن فاطمة و ما الحامل له على ما فعل و الذي اوقعه فيما وقع؟قالوا: لا، قال: يزعم أن أباه خير من أبي و أمه فاطمة بنت رسول اللّه خير من أمي و جده خير من جدي و أنه خير مني و أحق بهذا الأمر مني فأما قوله: أبوه خير من أبي فقد حاج أبي أباه إلى اللّه عز و جل و علم الناس أيهما حكم له، و أما قوله: أمه خير من أمي فلعمري إن فاطمة بنت رسول اللّه خير من أمي، و أما قوله: جده خير من جدي فلعمري ما أحد يؤمن باللّه و اليوم الآخر و هو يرى أن لرسول اللّه فينا عدلا و لا ندا، و لكنه إنما أتي من قلة فقهه و لم يقرأ: قُلِ اَللََّهُمَّ مََالِكَ اَلْمُلْكِ تُؤْتِي اَلْمُلْكَ مَنْ تَشََاءُ وَ تَنْزِعُ اَلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشََاءُ وَ تُعِزُّ مَنْ تَشََاءُ وَ تُذِلُّ مَنْ تَشََاءُ و قوله تعالى: وَ اَللََّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشََاءُ[1] .
الخربة
و لقد أحدثت هذه الخطبة هزة في مجلس يزيد وراح الرجل يحدث جليسه بالضلال الذي غمرهم و أنهم في أي واد يعمهون، فلم ير يزيد مناصا إلا أن يخرج الحرم من المجلس إلى خربة لا تكنهم من حر و لا برد فأقاموا فيها ينوحون على
[1] تاريخ الطبري ج 6 ص 266 و البداية لابن كثير ج 8 ص 195.