يلحقهم لاحق [1] على وجه الصعيد تصهرهم الشمس و يزورهم وحش الفلا.
قد غيّر الطعن منهم كل جارحة # إلا المكارم في أمن من الغير
و بينهم سيد شباب أهل الجنة بحالة تفطر الصخر الأصم، غير أن الأنوار الإلهية تسطع من جوانبه و الأرواح العطرة تفوح من نواحيه.
و مجرح ما غيّرت منه القنا # حسنا و لا أخلقن منه جديدا
قد كان بدرا فاغتدى شمس الضحى # مذ ألبسته يد الدماء لبودا
تحمي أشعته العيون فكلما # حاولن نهجا خلنه مسدودا
و تظله شجر القنا حتى أبت # إرسال هاجرة إليه بريدا [2]
و حدّث رجل من بني أسد أنه أتى المعركة بعد ارتحال العسكر فشاهد من تلك الجسوم المضرجة أنوارا ساطعة و أرواحا طيبة و رأى أسدا هائل المنظر يتخطى تلك الأشلاء المقطعة حتى إذا وصل إلى هيكل القداسة و قربان الهداية تمرغ بدمه و لاذ بجسده و له همهمة و صياح فأدهشه الحال إذ لم يعهد مثل هذا الحيوان المفترس يترك ما هو طعمة أمثاله فاختفى في بعض الأكم لينظر ما يصنع فلم يظهر له غير ذلك الحال.
و مما زاد في بعض تحيره و تعجبه أنّه عند انتصاف الليل رأى شموعا مسرجة ملأت الأرض بكاءا و عويلا مفجعا [3] .
و في اليوم الثالث عشر من المحرم أقبل زين العابدين لدفن أبيه الشهيد 7 لأنّ الإمام لا يلي أمره إلاّ إمام مثله [4] .
[4] إثبات الوصية للمسعودي ص 173، و قد ذكرنا في كتاب «زين العابدين» ص 402 الأحاديث الدالة على أن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله.
لم تكشف الأحاديث هذا السر المصون، و لعل النكتة فيه أن جثمان المعصوم عند سيره إلى المبدأ الأعلى بانتهاء أمد الفيض الإلهي يختص بآثار منها: أن لا يقرب منه من لم يكن من أهل هذه المرتبة إذ هو مقام قاب قوسين أو أدنى، ذلك المقام تقهقر عنه الروح-