البحر الاسود [١٢٣] ، وكانوا يباعون في مدينة تدعى الكافّة [١٢٤]. ومن الكافة كان يأتي بهم الى القاهرة تجار ويشتريهم السلطان [١٢٥]. الذي كان يقوم بتبديل اسمائهم التي تعمدوا عليها ، ثم يسلمهم لأساتذة في اللغة العربية وفي اللغة التركية وفي التربية العسكرية. وعن هذا الطريق كان هؤلاء المماليك يترقون ، عبر درجات ، الى مراتب ومناصب ، كي يصلوا أحيانا الى السلطة القصوى.
ولكن هذه العادة التي تقضي بأن يكون السلطان مملوكا أو عبدا لم تكن معهودة الا منذ مائتي وخمسين سنة ، اي منذ انقراض اسرة البطل صلاح الدين الذي كان مجده معروفا لدى الجميع [١٢٦].
وفي العصر الذي اراد فيه ملك القدس ان يحتل القاهرة التي كادت ان تصبح تابعة له بسبب جبن وغفلة الخليفة الذي كان يحكم وحده حينئذ [١٢٧] قام العلماء والقضاة بموافقة من الخليفة ، واستنجدوا بأمير من آسيا من أمة تدعى الكرد ، وهم قوم يعيشون تحت الخيام كالعرب وكان هذا الامير يدعي صلاح الدين [١٢٨].
[١٢٣] أي شراكسة من حيث المبدأ ، ولكن كان بينهم رقيق من كل أصل ، حتى من أصل أوروبي.
[١٢٤] أو تيودوزيا في الإغريقي ، وتدعى اليوم فودوزيا ، في شبه جزيرة القرم شمالي البحر الاسود.
[١٢٥] ومن هذا جاءت عبارة مملوك ، أي حصل عليه صاحبه مقابل ثمن.
[١٢٦] يبدو ان إنشاء هذه الفرقة الأجنبية الحقيقة ، اي جيش المماليك ، قد ظهر لأول مرة في أيام الخليفة العباسي المعتصم الذي حكم بين ٨٣٣ ـ ٨٤٢ م. وهكذا استطاع كل المرتزقة الشرقيين التوصل لأكثر وظائف الدولة أهمية.
فصلاح الدين نفسه ، الذي كان كرديا ، استخدم هؤلاء الأغراب على نطاق واسع ، ولكن أحد أحفاده وخلفائه ، وهو الملك الأيوبي نجم الدين أيوب الصالح ، الذي حكم بين ١٢٤٠ و ١٢٤٩ م ، هو الذي استحدث التنظيم المملوكي في مصر. واول سلطان مملوكي كان آيبك ، الذي انتخب في ٣١ تموز (يوليو) ١٢٥٠ م / ١٩ ربيع الثاني ٦٤٨ ه ، وآخرهم هو طومان باي الذي شنق في ١٢ نيسان (ابريل) ١٥١٧ م / ١٩ ربيع الاول ٢٩٣ ه فالسلاطين المماليك قد احتفظوا إذن بالسلطة الملكية في مصر مدة ٢٧٥ سنة هجرية. ولكن الفتح التركي لم يقض على المماليك حتى لقد استردوا السلطة فعلا سنة ١٦٦٦ م ، وفي ١٧٩٨ م حاولوا فعلا منع الجنرال نابليون بونابرت والجيوش الفرنسية من احتلال البلاد ، حيث كان عددهم ٠٠٠ ، ٥٠ منهم ١٢٠٠٠ فارس ، وفي خلال معركة الأهرام وحدها التي وقعت في ٢١ تموز (يوليو) ١٧٩٨ سقط منهم ٧٠٠٠ قتيل ، وفي الأول من أيار (مايو) ١٨١١ استطاع باشا مصر محمد علي ان يبيد أواخر المماليك بعد مأدبة القلعة الشهيرة.
[١٢٧] ملك القدس وهو آمورى الاول الذى ارتقى العرش في ١٨ شباط (فبراير) ١١٦٢ وعمره ٢٧ سنة والذي لم يكن آخر ملك حقيقي على القدس. ـ والخليفة الفاطمي المذكور هنا هو العاضد بالله.
[١٢٨] الواقع كانت مصر الفاطمية تقيم علاقات حسن جوار مع مملكة القدس النصرانية. ولكن كان يحكم في حلب أمير سني ، وهو نور الدين محمود ، الذي كان عدو النصارى اللدود في فلسطين وعدو فاطميي مصر ، وفي عام ١١٦٧ م أرسل نور الدين لفتح مصر قائده الأعلى أسد الدين أبو المظفر يوسف بن أيوب ، الذي كان حتى ذلك الوقت منكبا على ـ