لم يكتب الجغرافيون القدامى ، مثل البكري والمسعودي ، شيئا عن أرض السودان فيما عدا الواحات وعن غانا [١]. ففي عصرهم ، لم يكن يعرف شيء سواهما عن بلاد الزنوج الأخرى. ولكنها اكتشفت بعد عام ثلاثمائة وثمانين هجرية [٢]. إذ في ذلك الوقت اعتنقت لمتونة وكل سكان ليبيا الإسلام بفضل دعوة إمام قام ، بالإضافة إلى ذلك ، بدفع لمتونة لفتح كل بلاد البربر [٣] وعندئذ بدأ الناس يقصدون هذه البلاد ، وأخذوا في التعرف عليها.
وهذه الأقطار ، جميعها ، مسكونة بأناس يعيشون كالبهائم بدون ملوك ، ولا أمراء ، وبدون جمهوريات ولا حكومات ولا تقاليد [٤]. ولا يعرفون غير الطرق البدائية
[١] وهذا ليس صحيحا تماما ، فقد قدم المسعودى فى أواسط القرن العاشر الميلادى ، والبكرى الذى كتب سنة ١٠٨٨ م ، قدّما بالفعل معلومات عن واحات مصر وعن غانا. ونلاحظ أن المؤلف قد وضع الواحات فى السابق فى نوميديا ثم فى ليبيا. ألا تذكرنا هذه الواحات هنا بأوداغست.؟
[٣] لقد بدأت الدعوة للإسلام ، فى السودان الشمالى ، على يد تجار مسلمين كانوا يتاجرون مع الزنوج ، بدأت قبل القرن العاشر الميلادى بكثر. ولكن الفقيه عبد الله بن ياسبن ، من قبيلة جزولة ، جاء ليعظ القبيلة المذكورة بناء على طلب زعيم زناقة إيغدالن ، وبالعربية قدالة ، والتى كانت تحتل الأراضى الواقعة على الضفة الشمالية لنهر السنغال الأدنى.
وأسس فى إحدى الجزر رباطا كان عبارة عن مركز لمجاهدين حفظ التاريخ لنا ذكرهم باسم المرابطين ، ودعا إلى الجهاد ودفع بقبائل زناقة الصحراوية ، والتى كانت أهم قبيلة فيها هى لمتونة ، من مرتفعات إدرار فى موريتانيا الحالية لفتح بلاد الشمال واستشهد فى معركة على ضفاف وادى كرفله ، فى تامسنة ، وهى بلاد الشاوية الحالية فى المغرب الأقصى جنوب شرق الرباط ، فى يوم الأحد ١٩ تموز ١٠٥٨ م. ويبدو أن حملات المرابطين ضد الممالك السودانية بدأت فى زمنه. وكان أمير لمتونة ، وهو الزعيم الحربى للمرابطين ، أبو بكر بن عمر ، هو الذى تابع بنشاط كبير تلك المهمة بين ١٠٦٢ و ١٠٨٧ م. ويظهر أنه بلغ مملكة مالى ، على نهر النيجر الأعلى. وقد قتل برمية سهم فى شعبان ٤٨٠ ه / تشرين الثانى (نوفمبر) ١٠٨٧ م ، بينما كان يجتاز ممر تاغنت. الواقع على مسافة ٥٥ كم جنوب بلدة تيجيكجة الحالية فى جمهورية موريتانيا الإسلامية ، فى أثناء عودته من إحدى حملاته ، وربما كان هذا التاريخ وهو ٤٨٠ ه ، والذى لم يستطع المؤلف حفظه على الضبط. كان بالأصل ٣٨٠ ه ، والذى قدمه لنا فى النص أعلاه.
[٤] وقد قال لنا المؤلف نفس الشىء عن عيوب الزنوج فى كتابه الأول ، وتدل بقية هذا الوصف بأن الوضع ليس كهذه ـ