تأسست مدينة فاس على يد شيعي في عصر الخليفة هارون في عام ١٨٥ للهجرة[٩٥].
وتدعى هذه المدينة «فاس» لأنه من اليوم الأول الذي حفرت الارض فيها لإرساء الأساسات عثر على كمية كبيرة من الذهب الذي يحمل بالعربية اسم فاس [٩٦]. وأرى أن هذا هو السبب الحقيقي لهذه التسمية. غير أن البعض يرون أن المكان الذي قامت فيه كان يدعى فاس بسبب النهر الذي يخترقها ، إذ كان اسم هذا النهر باللغة الافريقية «سف» وأن هذه الكلمة قد حرفت [٩٧].
ومهما كان الأمر فإن الذي بنى فاس كان يسمى ادريس. وقد كان من أقارب الخليفة هارون [٩٨]. لأنه كان ابن حفيد علي [٩٩] ابن عم محمد 6 ، والذي تزوج من فاطمة [١٠٠]
[٩٥] من المسلم به عموما أن المدينتين المتميزتين ، اللتين تكونت منهما فاس ، تأسستا في عهد ادريس بن ادريس الأول على الضفة اليمنى ، شرقي النهر ، وذلك يوم الخميس ٣ ربيع الأول عام ١٩٢ ه ، الموافق ٦ كانون الثاني (يناير) ٨٠٨ م ، والأخرى على الضفة اليسرى أي في الغرب ، وتأسست في أوائل أيام شهر ربيع الثاني عام ١٩٣ ه / أو نهاية كانون الثاني (يناير) ٨٠٩ م. ولكن هناك إشارة إلى وجود درهم مسكوك في فاس وذلك بالتحديد في سنة ١٨٥ ه / ٨٠١ م. وقد سمحت أبحاث جديدة بالبرهنة ، مع شيء من اليقين ، بأن فاس الاصلية ، أي مدينة الضفة اليمنى ، قد تأسست بعد شهرين من المناداة بادريس بن عبد الله إماما وأميرا على بربر منطقة زرهون ، والغالب على الظن أن هذا التأسيس كان لمراقبة تقاطع الطرق الهامة ، أي عند عقدة الطريقين الكبيرين الدائمي الحركة ، أي الشمالي الجنوبي والشرقي الغربي خلف ممرات نهر سبو. ومن الممكن أن يكون هذا التأسيس قد حدث في شهر ذي العقدة ١٧٢ ه / الموافق نيسان (اكتوبر) ٧٨٩ م. وبعد عشرين عاما حاول ادريس بن ادريس ، الذي كان يرغب ، بلا شك ، في أن يقيم هو نفسه قرب ممرات سبو هذه مع قواته المعبئة ، أقول حاول أن يجد موقعا مناسا ، وبعد عدة محاولات فاشلة في أماكن أخرى قرر أن يستقر تجاه فاس ، على الضفة المقابلة ، ولكن حرص أن تكون له مدينة ملكية مفصولة تماما عن الاخرى. وهكذا تأسست سواء حسب التاريخ المذكور آنفا أي ١٩٢ ه أو في ١٩٣ ه ، أي ٨٠٨ أو ٨٠٩ م. وجعل اسمها الرسمي «المدينة العالية» وهو اسم احتفظت به اكثر من عشرين عاما. ولكن جاء الاندلسيون فعلا ليقيموا في المدينة القديمة ، في حين اختار القروانيون إقامتهم في المدينة الجديدة ، وأخذت هاتان المدينتان إسمي مدينة الاندلس ومدينة القرويين واحتفظتا بهذين الاسمين حتى بعد تلاحم المدينتين على اثر فتحها على أيدي المرابطين في آذار (مارس) ١٠٧٠ م.
[٩٦] خطأ لا يمكن تفسيره لأن كلمة فاس لها معنى بلطة أو آلة عزق الأرض.
[٩٧] يوافق علماء اللغة البربرية المعاصرون فعلا أن كلمة آسيف ، ومعناها نهر ، يمكن ان تعطي فيس ، وتحولت في اللغة العربية الى فاس.
[٩٨] أي هارون الرشيد الذي حكم من ١٥ ايلول (سبتمبر) ٧٨٦ م إلى ٢٤ آذار (مارس) ٨٠٩ م