عبد الواحد بن أبي حفص ، ثم تقلّصت تلك الظلال ، ودخل الجزيرة الانحلال ، إلى أن استولى عليها حزب الضلال ، والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
وقد ذكرت في هذا الكتاب جملة من أخبار ملوك الأندلس ممّا يصلح للمذاكرة ، وربما سرّحت طرف القلم في بعضهم.
وبنو جهور المشار إليهم قريبا كانوا وزراء الأمويين ، ثم إنه لمّا انتثر سلك الخلافة استبدّ بقرطبة الوزير أبو الحزم بن جهور من غير أن يتعدّى اسم الوزارة.
قال في «المطمح» : الوزير الأجلّ جهور بن محمد بن جهور [١] ، أهل بيت وزارة ، اشتهروا كاشتهار ابن هبيرة [٢] في فزارة ، وأبو الحزم أمجدهم في المكرمات ، وأنجدهم في الملمّات ، ركب متون الفنون [٣] فراضها ، ووقع في بحور المحن فخاضها ، منبسط غير منكمش ، لا طائش اللسان ولا رعش ، وقد كان وزر في الدولة العامرية فشرفت بجلاله ، واعترفت باستقلاله ، فلمّا انقرضت وعافت [٤] الفتن واعترضت ، تحيّز عن التدبير مدّتها ، وخلّى لخلافه أعباء الخلافة وشدّتها ، وجعل يقبل مع أولئك الوزراء ويدبر ، ويدير [٥] الأمر معهم ويدبّر ، غير مظهر للانفراد ، ولا متصرّف في ميدان ذلك الطّراد ، إلى أن بلغت الفتنة مداها ، وسوّغت ما شاءت رداها ، ذهب من كان يخد في الرياسة ويخبّ ، ويسعى في الفتنة ويدبّ ، ولمّا ارتفع الوبال ، وأدبر ذلك الإقبال ، راسل أهل التقوى مستمدّا بهم ، ومعتمدا على بعضهم تخيّلا منه وتمويها ، وتداهيا ، على أهل الخلافة وذويها ، وعرض عليهم تقديم المعتمد [٦] هشام ، وأومض منه لأهل قرطبة برق خلّب يشام ، بعد سرعة التياثها ، وتعجيل انتكاثها ، فأنابوا إلى الإجابة ، وأجابوا إلى استرعائه الوزارة والحجابة ، وتوجّهوا مع ذلك الإمام ، وألمّوا بقرطبة أحسن إلمام ، فدخلوها بعد فتن كثيرة ، واضطرابات مستثيرة ، والبلد مقفر ، والجلد مسفر ، فلم يبق غير يسير حتى جبذ واضطرب أمره فخلع ، واختطف من الملك وانتزع ، وانقرضت [٧] الدولة الأموية ، وارتفعت الدولة العلوية ، واستولى على قرطبة عند ذلك أبو الحزم ، ودبّر