responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : نفح الطّيب المؤلف : الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني    الجزء : 1  صفحة : 219

على سلمه ، ووطّأ لأقدام المسلمين في الحلول به ، أقام لتمييز ذلك وقتا ، وأمضى المسلمين إلى إفرنجة ففتحوا وغنموا وسلموا وعلوا وأوغلوا ، حتى انتهوا إلى وادي رودنة ، فكان أقصى أثر العرب ومنتهى موطئهم من أرض العجم. وقد دوّخت بعوث طارق وسراياه بلد إفرنجة فملكت مدينتي برشلونة وأربونة وصخرة أبنيون [١] وحصن لوذون على وادي ردونة [٢] ، فبعدوا عن الساحل الذي منه دخلوا جدّا ، وذكر أن مسافة ما بين قرطبة وأربونة من بلاد إفرنجة ثلاثمائة فرسخ وخمسة وثلاثون فرسخا ، وقيل : ثلاثمائة فرسخ وخمسون فرسخا ، ولمّا أوغل المسلمون إلى أربونة ارتاع لهم قارله ملك الإفرنجة بالأرض الكبيرة ، وانزعج لانبساطهم ، فحشد لهم ، وخرج عليهم في جمع عظيم ، فلما انتهى إلى حصن لوذون وعلمت العرب بكثرة جموعه زالت عن وجهه ، وأقبل حتى انتهى إلى صخرة أبنيون ، فلم يجد بها أحدا ، وقد عسكر المسلمون قدّامه فيما بين الأجبل المجاورة لمدينة أربونة ، وهم بحال غرّة لا عيون لهم ولا طلائع ، فما شعروا حتى أحاط بهم عدوّ الله قارله ، فاقتطعهم عن اللجإ إلى مدينة أربونة ، وواضعهم الحرب ، فقاتلوا قتالا شديدا استشهد فيه جماعة منهم ، وحمل جمهورهم على صفوفه حتى اخترقوها ، ودخلوا المدينة ، ولاذوا بحصانتها ، فنازلهم بها أياما أصيب له فيها رجال ، وتعذّر عليه المقام ، وخامره ذعر وخوف مدد للمسلمين ، فزال عنهم راحلا إلى بلده ، وقد نصب في وجوه المسلمين حصونا على وادي ردونة شكّها بالرجال فصيّرها ثغرا بين بلده والمسلمين ، وذلك بالأرض الكبيرة خلف الأندلس.

وقال الحجاري في المسهب : إنّ موسى بن نصير نصره الله نصرا ما عليه مزيد ، وأجفلت ملوك النصارى بين يديه ، حتى خرج على باب الأندلس الذي في الجبل الحاجز بينها وبين الأرض الكبيرة ، فاجتمعت الإفرنج إلى ملكها الأعظم قارله ، وهذه سمة لملكهم ، فقالت له : ما هذا الخزي الباقي في الأعقاب؟ كنّا نسمع بالعرب ونخافهم من جهة مطلع الشمس ، حتى أتوا من مغربها ، واستولوا على بلاد الأندلس وعظيم ما فيها من العدّة والعدد بجمعهم القليل ، وقلّة عدّتهم ، وكونهم لا دروع لهم ، فقال لهم ما معناه : الرأي عندي أن لا تعترضوهم في خرجتهم هذه ، فإنهم كالسّيل يحمل من يصادره ، وهم في إقبال أمرهم ، ولهم نيّات تغني عن كثرة العدد ، وقلوب تغني عن حصانة الدروع ، ولكن أمهلوهم حتى تمتلىء أيديهم من الغنائم ، ويتخذوا المساكن ، ويتنافسوا في الرياسة ، ويستعين بعضهم ببعض ، فحينئذ تتمكّنون منهم بأيسر أمر ، قال : فكان والله كذلك بالفتنة التي طرأت بين الشاميين والبلديين والبربر والعرب


[١] أبنيون : إلى الشمال من نهر الرون.

[٢] في ب : رودنة.

اسم الکتاب : نفح الطّيب المؤلف : الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني    الجزء : 1  صفحة : 219
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست