responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : نفح الطّيب المؤلف : الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني    الجزء : 1  صفحة : 197

وقول لذريق : «إن هذه الصور هي التي رأيناها في بيت الحكمة إلخ» أشار به إلى بيت حكمة اليونان ، وكان من خبره ـ فيما حكى بعض علماء التاريخ ـ أن اليونان ، وهم الطائفة المشهورة بالحكم ، كانوا يسكنون بلاد الشرق قبل عهد الإسكندر ، فلما ظهرت الفرس ، واستولت على البلاد ، وزاحمت اليونان على ما كان بأيديهم من الممالك ، انتقل اليونان إلى جزيرة الأندلس ، لكونها طرفا في آخر العمارة ، ولم يكن لها ذكر إذ ذاك ، ولا ملكها أحد من الملوك المعتبرة ولم تك عامرة ، وكان أوّل من عمّر فيها واختطّها أندلس بن يافث بن نوح 7 ، فسمّيت باسمه ، ولما عمرت الأرض بعد الطوفان كانت الصورة المعمورة منها عندهم على شكر طائر رأسه المشرق ، والجنوب والشمال رجلاه ، وما بينهما بطنه ، والمغرب ذنبه ، وكانوا يزدرون المغرب لنسبته إلى أخسّ أجزاء الطير. وكانت اليونان لا ترى فناء الأمم إلّا [١] بالحروب لما فيها من الإضرار والاشتغال عن العلوم التي كان الاشتغال بها عندهم من أهم الأمور ، فلذلك انحازوا من بين يدي الفرس إلى الأندلس. فلما صاروا إليها أقبلوا على عمارتها ، فشقّوا الأنهار ، وبنوا المعاقل ، وغرسوا الجنات والكروم ، وشيّدوا الأمصار. وملؤوها حرثا ونسلا وبنيانا ، فعظمت وطابت ، حتى قال قائلهم لمّا رأى بهجتها : إن الطائر الذي صوّرت هذه العمارة على شكله ، وكان المغرب ذنبه ، كان طاووسا معظم جماله في ذنبه.

وحكي أن الرشيد هارون ـ رحمه الله! ـ لمّا حضر بين يديه بعض أهل المغرب قال الرشيد : يقال : إن الدنيا بمثابة طائر ذنبه المغرب ، فقال الرجل : صدقوا يا أمير المؤمنين ، وإنه طاووس ، فضحك أمير المؤمنين الرشيد ، وتعجّب من سرعة جواب الرجل وانتصاره لقطره.

رجع ـ قال : فاغتبط اليونان بالأندلس أتمّ اغتباط ، واتّخذوا دار الحكمة والملك بها طليطلة ؛ لأنها أوسط البلاد ، وكان أهمّ الأمور عندهم تحصينها عمّن يتصل به خبرها من الأمم ، فنظروا فإذا هو أنه لا يحسدهم على رغد العيش إلّا أرباب الشّظف والشقاء والتعب ، وهو يومئذ طائفتان : العرب ، والبربر ، فخافوهم على جزيرتهم العامرة ، فعزموا على أن يتخذوا لهذين الجنسين من الناس طلّسما ، فرصدوا لذلك أرصادا. ولما كان البربر بالقرب منهم ، وليس بينهم سوى تعدية البحر ، ويرد عليهم منهم طوائف منحرفة الطباع ، خارجة عن الأوضاع ، ازدادوا منهم نفورا ، وأكثر [٢] تحذرهم من نسب أو مجاورة ، حتى ثبت ذلك في طبائعهم ، وصار بعضه مركّبا في غرائزهم ، فلمّا علم البربر عداوة أهل الأندلس وبعضهم لهم ، أبغضوهم وحسدوهم ، فلم تجد أندلسيّا إلّا مبغضا بربريّا ، وبالعكس ، إلّا أن البربر أحوج إلى أهل الأندلس ؛ لوجود بعض الأشياء عندهم وفقدها ببلاد البربر.


[١] إلا : ساقطة في ب.

[٢] في ب : وكثر.

اسم الکتاب : نفح الطّيب المؤلف : الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني    الجزء : 1  صفحة : 197
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست