responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : نفح الطّيب المؤلف : الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني    الجزء : 1  صفحة : 183

ومحاربتهم بالتّراس والرّماح الطويلة للطعن ، ولا يعرفون الدبابيس ، ولا قسيّ العرب ، بل يعدون قسيّ الإفرنج للمحاصرات في البلاد ، أو تكون للرجّالة عند المصاففة للحرب ، وكثيرا [١] ما تصبر الخيل عليهم أو تمهلهم لأن يؤثروها ولا تجد في خواصّ الأندلس وأكثر عوامّهم من يمشي دون طيلسان ، إلّا أنه لا يضعه على رأسه منهم إلّا الأشياخ المعظّمون ، وغفائر الصوف كثيرا ما يلبسونها حمرا وخضرا ؛ والصّفر مخصوصة باليهود ، ولا سبيل ليهودي [٢] أن يتعمّم البتّة ، والذؤابة لا يرخيها إلّا العالم ، ولا يصرفونها بين الأكتاف ، وإنّما يسدلونها من تحت الأذن اليسرى. وهذه الأوضاع التي بالمشرق في العمائم لا يعرفها أهل الأندلس ، وإن رأوا في رأس مشرقي داخل إلى بلادهم شكلا منها أظهروا التعجّب والاستظراف ، ولا يأخذون أنفسهم بتعليمها ؛ لأنهم لم يعتادوا ولم يستحسنوا غير أوضاعهم ، وكذلك في تفصيل الثياب.

وأهل الأندلس أشدّ خلق الله اعتناء بنظافة ما يلبسون وما يفرشون ، وغير ذلك مما يتعلّق بهم ، وفيهم من لا يكون عنده إلّا ما يقوته يومه ، فيطويه صائما ويبتاع صابونا يغسل به ثيابه ، ولا يظهر فيها ساعة على حالة تنبو العين عنها.

وهم أهل احتياط وتدبير في المعاش وحفظ لما في أيديهم خوف ذلّ السؤال ، فلذلك قد ينسبون للبخل ، ولهم مروءات على عادة بلادهم ، لو فطن لها حاتم لفضّل دقائقها على عظائمه ؛ ولقد اجتزت مع والدي على قرية من قراها ، وقد نال منّا البرد والمطر أشدّ النّيل ، فأوينا إليها ، وكنّا على حال ترقّب من السلطان وخلوّ من الرفاهية ، فنزلنا في بيت شيخ من أهلها ، من غير معرفة متقدّمة ، فقال لنا : إن كان عندكم ما أشتري لكم فحما تسخنون به فإني أمضي في حوائجكم ، وأجعل عيالي يقومون بشأنكم ، فأعطيناه ما اشترى به فحما ، فأضرم نارا ، فجاء ابن له صغير ليصطلي ، فضربه ، فقال له والدي : لم ضربته؟ فقال : يتعلّم استغنام أموال [٣] الناس والضّجر للبرد من الصغر ، ثم لما جاء النوم قال لابنه : أعط هذا الشابّ كساءك الغليظة يزيدها على ثيابه ، فدفع كساءه إليّ ، ثم لما قمنا عند الصباح وجدت الصبيّ منتبها ويده في الكساء ، فقلت ذلك لوالدي ، فقال : هذه مروءات أهل الأندلس ، وهذا احتياطهم ، أعطاك الكساء وفضّلك على نفسه ، ثم أفكر في أنك غريب لا يعرف هل أنت ثقة أو لصّ ، فلم يطب له منام حتى يأخذ كساءه خوفا من انفصالك بها وهو نائم ، وعلى هذا الشيء الحقير فقس الشيء الجليل ؛ انتهى كلام ابن سعيد في «المغرب» باختصار يسير.


[١] في ب : وقليلا.

[٢] في ب : إلى يهودي.

[٣] في ب : مال.

اسم الکتاب : نفح الطّيب المؤلف : الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني    الجزء : 1  صفحة : 183
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست