والناس يدخلون ، وكنت ممن دعي إليها ، فقلت للمجنون : ألا تدخل فتأكل؟ فإن الطعام كثير.
قال : وإن كان كثير فإني ممنوع منه.
فقلت : وما يمنعك والباب مفتوح ولا مانع من الدخول؟
فقال : آكل طعاما لم أدع إليه مع أني محتاج إليه ، لكني لا أرضى لنفسي / الدناءة ، ولا التطفل على الموائد ، ثم عاد راجعا ولم يدخل.
فقلت : ادعهم يأذنوا لك؟
فقال : لا أرضى بذلك لأن فيه سؤال مقرون بذلة.
ومما وقع وحكاه السرقسطي :
قال : كان يحيى الجزار رجلا أديبا فاضلا ، وكان في ابتداء عمره يعاني بيع اللحم والقصابة ، وكان شاعرا نديما. ثم لما عاشر الرؤساء والأكابر ونادمهم ترك القصابة.
فلما تغير حال الناس وقل خيرهم رجع إلى القصابة وبيع اللحم. فبلغ ذلك لرجل من مخاديمه يدعى أبو الفضل بن عقيل وكان حاجبا جليل القدر ، فأمر شخصا من ندمائه أن يعنفه على ما فعل.