وقد روي عن عمر بن الخطاب ما يؤيد ذلك ، وهو ما حكاه ابن مسعر التميمي حين أخبره بوادي القرود وما فيه من الخيرات ، فوجه [١] عمر بن الخطاب بجيش من أصحابه إليهم ، قال : فلما أشرفنا على الوادي ضعّفنا عسكرنا ، فصافونا [٢] ، ثم خرج إلينا / من بينهم قرد كبير في عنقه لوح من نحاس منقور محفور ، فأومأ بيده إلينا يطلب بعضنا ، فخرج له واحد فلما صار بإزائه نكس رأسه ووضع اللوح من عنقه وانصرف.
فلم يفهم ما فيه ، فبعثنا به إلى عمر بن الخطاب فعجزوا عن قراءته ، ثم بعد جهد أتى [٣] من قرأه فإذا فيه :
بسم الله الرّحمن الرّحيم
هذا كتاب ابن داود سليمان 8 ، ملك الجن والإنس ، كتبه لقردة وادي كذا من أرض سبأ أني قد أمنتكم على أنفسكم فلا يتعرض لكم أحد إلا بخير.
فقال عمر : أنا أول من يمضي ما أمضاه نبي الله سليمان [7].
وكتب لأمير جيشه يأمره بتسليم اللوح إليهم والانصراف عنهم ، فأعطوهم اللوح ، وانصرفوا. فلما سرنا إذا بواحد منهم في سفح جبل ذلك الوادي نائم ورأسه في حجر زوجته ، وإذا بقرد قد أقبل ووقف قريبا منها ، ثم أشار إليها فوضعت رأس زوجها على الأرض برفق كي لا يهب من نومه ، وقامت إلى ذلك القرد ، فجامعها ، ثم رجعت ، فانتبه زوجها ، فلم يراها فاتبع أثرها ، فلما دنا منها فشمها [٤] ، فصاح ، فأتت إليه القردة [٥] ، وكلمهم وجرى بينهم كلام كثير [٦] ، ثم حفروا لها حفيرة ونحن ننظر ، ودفنوها فيها ورجموها ، وأول من رجمها شيخهم الذي في عنقه اللوح ، ثم الزوج والآخرون إلى أن ماتت ، فلما جئنا إلى عمر أخبرناه بذلك فقال : على هذا أقرهم نبي الله [7].