إنكار حكم العقل
باستحقاق العاصي العقوبة ، بل قبح عقاب العاصي ، إلاّ بعد جعل الوعيد دفعا للأفسد
بالفاسد ، وله بيان مسهب ليس هنا موضع ذكره ، ولعلّنا نذكره في بعض المباحث
الآتية.
ويكفينا هنا أن
نقول على هذا وعلى ما قبله : إنّ الفرق بين الطلب الإلزاميّ وبين غيره ما نشاهده
في طلب غير القادر على العقاب ، بل وغير من تجب طاعته ، حتى انّا نرى هذا الفرق
بين مسمّى طلب الملتمس ، والسائل ، ونحن نعلم بعدم الفرق في حقيقة الطلب باختلاف
الطالبين ، وليس كلامنا إلاّ معرفة الحقيقة لا اللفظ.
ولعلّك لا تجد في
الفرق بين قسمي الطلب عبارة أوضح ولا أصح ممّا كان يذكره السيد الأستاذ طاب ثراه
من أن الواجب ـ وإن شئت قلت ـ إن الطلب الإلزاميّ ما لم يوطّن الطالب نفسه على عدم
وقوعه ، وغير الإلزاميّ ما وطّن نفسه عليه.
وهذا التفسير وإن
كان لا يناسب الأوامر الشرعية إلاّ أنك بعد معرفة حقيقة المراد منه ، يسهل لك
التعبير عنه بما يناسب ذلك المقام الرفيع ، كما قال : ( فَإِنَّ
اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ )[١] فإنه أحسن عبارة في حقّه تعالى ، والله العالم.
( الطلب والإرادة )
والكلام فيهما يقع
في مقامين : أولهما في حقيقة الإرادة ، وأقسامها ، وسائر ما يتعلق بها ، وثانيهما
في نسبتها إلى الطلب ، وأنها هل هي عينه أو غيره؟
المقام الأول :
اختلفوا في حقيقة الإرادة على أقوال ثلاثة : الأول : إنها