ففارقت معاهد أنسي
ولذاتي ، ومواطن إخواني ولداتي ، وسرت [١] عام (١٣٣٣) إلى
بلاد الأمن والإيمان ، أعني بلاد إيران ، وألقيت عصا التسيار في سيّدة أمصارها ،
ضرّة رياض الجنان : أصفهان.
فهناك أحاطت بي أفاضل
حملة العلم وطلاّبه إحاطة الهالة [٢] بالقمر المنير ،
وحاموا حولي كما يحوم الصادي [٣] حول العذب النمير ، وكثيرا مّا كنت أكتب ما أقرّره لهم من
مسائل أصول الفقه بعد الفراغ من التدريس ، في قطع متفرقة من أسحية القراطيس ، من
غير أن أفصّل شذورها في ضمن فصول وأبواب ، لأنّي لم أقصد به تأليف رسالة في ذلك
الفن ، ولا تصنيف كتاب ، ولكن بعض الأفاضل [٤] من الأصحاب عرف
قدرها ، فجمع شملها ، ثم عرضها علي ، وحثّني على إعادة النّظر فيها ، وتهذيبها ،
وطلب منّي ترتيبها ، وتبويبها ، فأجبته إلى ذلك خوفا على تلك الأعلاق النفسيّة من
الضياع ، وطمعا في أن يعمّ بها الانتفاع.
فهاك أيها الطالب
لحقائق هذا الفن ، ولباب هذا العلم ، وما كنت تبتغيه ، وأرجو أن يكون ـ إن شاء
الله ـ كما ترتضيه ، فقد مخضت لك الرغوة عن الصريح ، وميّزت السقيم من الصحيح ،
وفرّقت بين الدرّ والمخشلب [٥] ، وأخلصت
[١] وكان المسير
أيام الحرب العموميّة ( بين الملل ) وكثرة الخوف والتعب ، وكيف والقائد العثماني (
حسين رءوف ) يقتل الطلبة الشيعي فكيف العالم ، وكان من منّ الله تعالى أنّ الليلة
التي أردنا المسير ليومها وصل إلينا خبر انعزاله. ( مجد الدين )
[٢] الهالة :
الدائرة المنعقدة حول القمر وهو تشبيه حسن لحلقة الدرس. ( مجد الدين ).
[٣] الصادي : طالب
الماء ، أو العطشان. ( مجد الدين ).
[٤] وهذا البعض هو
الشيخ محمد رضا البافراني من خواص المصنّف. ( مجد الدين )
[٥] المخشلب بضم
الأول وسكون الثاني وفتح الثالث والرابع ، وهي الدرر الجعليّة ، ومعناها بالفارسية
( خر مهره ). ( مجد الدين ).