المبحث الثالث في أنّ الهيئة تدلّ على الوجوب أم لا؟
بعد ما عرفت أنّ الهيئة وضعت للبعث و الإغراء، يقع الكلام في أنّها هل وضعت للبعث الوجوبيّ، أو الاستحبابيّ، أو القدر المشترك بينهما، أو لهما على سبيل الاشتراك اللفظيّ؟ فلا بدّ في تحقيق ذلك من مقدّمات:
الأولى: أنّه تختلف إرادة الفاعل فيما صدر منه قوّة و ضعفاً حسب اختلاف أهميّة المصالح المدركة عنده، فالإرادة المحرّكة لعضلاته لنجاة نفسه عن الهلكة أقوى من الإرادة المحرّكة لها للقاء صديقه، و هي أقوى من المحرّكة لها للتفرّج [1] و التفريح، فمراتب الإرادة قوّة و ضعفاً تابعة لإدراك أهميّة المصالح أو اختلاف الاشتياقات، و اختلاف حركة العضلات سرعة و قوّة تابعٌ لاختلاف الإرادات كما هو ظاهر.
فما في تقريرات بعض أعاظم العصر رحمه اللّه- من أنّ تحريك النّفس للعضلات في جميع الموارد على حدّ سواء [1]- كما في تقريرات بعض المحققين [2] رحمه اللّه- من أنّ الإرادة التكوينية لا يتصوّر فيها الشدّة و الضعف- مخالفٌ للوجدان و البرهان:
[1] التفرّج كالانفراج مطاوع الفرج و التفريج، بمعنى انكشاف الكرب و ذهاب، الغم. اللسان 2: 343.