إلينا؟ قلنا: هذا خلاف العمليّة الأولى، لأنّنا فرضنا حصر الدلالات. و فرق هذا الكلام عمّا مضى من كلام (ابن زهرة) أنّه بناء على هذا الكلام لو فرض احتمال وجود دلالة أخرى لم تصل و بطلت العملية الأولى، فلا قبح في التكليف، و ظاهر كلام (ابن زهرة) كان هو دعوى قبح التكليف بما لا طريق لنا إلى العلم به بالفعل. و على أيّة حال فهذا - كما ترى - غير مربوط بقاعدة قبح العقاب بلا بيان. و بعد زمان (المحقّق) شاع إدراج البراءة في الاستصحاب، و ترتّب عليه جعل البراءة من الأدلّة الظنّيّة، حيث إنّ الاستصحاب عندهم دليل ظنّي فتنزّلت البراءة عن كونها دليلا قطعيا على الحكم - كما كان يعتقده ابن إدريس - إلى كونها دليلا ظنّيّا عليه، فحجّيّة البراءة إنّما هي من باب إفادتها الظنّ كما صرّح بذلك صاحب المعالم و الشيخ (البهائي) في (الزبدة) [1]، فإلى أيّام صاحب (المعالم) و صاحب (الزبدة) لم يقل أحد بقاعدة قبح العقاب بلا بيان، و إنّما قالوا بالبراءة من باب الظنّ، و اعترف بذلك الشيخ الأعظم (قدّس سرّه) في (الرسائل)، فإنّه ذكر: أنّ
[1] لم أر ذلك بحسب فحصي الناقص في الزبدة. أمّا ما رأيته في المعالم فهو ما جاء في نقله لأدلّة القائلين بحجّيّة الاستصحاب، حيث نقل الدليل الرابع من أدلّتهم و هو: (أنّ العلماء مطبقون على وجوب إبقاء الحكم مع عدم الدلالة الشرعيّة على ما تقتضيه البراءة الأصلية، و لا معنى للاستصحاب إلاّ هذا).