وعلى الوجه الآخر
يكون الموضوع مرتفعا ، فالشك في أحد الوجهين يستلزم الشك في بقاء الموضوع. ولا
جامع بين الوجهين حتى يجري فيه الاستصحاب ، فإذا لم يجر الاستصحاب وفرض الشك في
أحد الوجهين فالامر يدور بين التعيين والتخيير ، لأنه على تقدير كون التخيير في
المسألة الأصولية يتعين ما اختاره المكلف أولا ، وبناء على كون التخيير في المسألة
الفقهية يكون المكلف مخيرا في اختيار أحدهما دائما ، وقد تقدم في مبحث البراءة :
أنه مهما دار الامر بين التعيين والتخيير فالأصل العملي يقتضي التعيين [١] خصوصا في مثل المقام مما كان دوران
الامر بين التعيين والتخيير في باب الطرق والامارات [٢] فراجع ما ذكرناه في مبحث البراءة.
المبحث التاسع
المشهور بين الأصحاب : أن التخيير إنما
هو في صورة تعادل المتعارضين وتكافئهما في المزايا المنصوصة ـ على ما سيأتي بيانها
ـ فلا يجوز الاخذ بأحدهما
[١] أقول : بالله!
مسألة التعيين والتخيير إنما هو في صورة الدوران بين الوجوب التخييري أو وجوب
أحدهما تعيينا ، ولقد عرفت : ان في باب التعارض المنتهى فيه الامر إلى التناقض في
المدلول يستحيل الوجوب التخييري ، وإنما الممكن فيه هو التخيير العملي العقلي الذي
هو نتيجة الإباحة ، وفي مثله عند الدوران بين الوجوب والإباحة من الذي يقول
بالتعيين والوجوب؟ وكأن المقرر خلط بين التخيير العملي الممكن في المقام وبين
الوجوب التخييري وزعم في المقام هذا التخيير ـ بشهادة تمثيله بالتخيير بين القصر
والاتمام ـ وغفل عن استحالة الثاني وان ما هو ممكن هو صرف التخيير عملا الذي هو
مفاد الإباحة ، بل في مثله عند الدوران يتعين الاخذ بالإباحة ، لا التعيين.
[٢] لا يخفى : أن
دوران الامر بين التعيين والتخيير إنما يكون في مقام العمل ، وأما في مقام الفتوى
: فالامر يدور بين المحذورين ، لأنه بناء على أحد الوجهين يتعين الفتوى بمضمون أحدهما
بالخصوص ، وبناء على الوجه الآخر يتعين الفتوى بالتخيير ، فتأمل ( منه )