قد عرفت : أن القاعدة تقتضي سقوط
الخبرين المتعارضين ، ولكن قد استفاضت النصوص على عدم السقوط مع فقد المرجح.
وقد اختلفت كلمات الأصحاب ـ قدس الله
أسرارهم ـ في المتعارضين المتكافئين في المزايا الداخلية والخارجية ، وعلى ما
سيأتي بيانها.
فقيل : بالتخيير في الاخذ بأحدهما.
وقيل : بالتوقف ، ومرجعه إلى الاحتياط ،
لان التوقف في الفتوى يستلزم الاحتياط في العمل.
وقيل : بوجوب الاخذ بما يوافق منهما
الاحتياط إن كان ، وإلا فالتخيير.
ومنشأ الاختلاف اختلاف الروايات الواردة
في ذلك.
فان
منها : ما يدل على التخيير مطلقا ، كرواية
الحسن بن جهم عن الرضا عليهالسلام
« قلت : يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا نعلم أيهما الحق؟ قال عليهالسلام فإذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت »
[١].
ومنها
: ما يدل على التخيير في زمان الحضور ،
كرواية الحرث بن المغيرة [٢]
عن أبي عبد الله عليهالسلام
قال : « إذا سمعت من أصحابك الحديث [ وكلهم ثقة ] فموسع
[١] الوسائل : الباب
٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤٠.
[٢] أقول : رواية
الحرث نص في مرجعية التخيير عند عدم التمكن من الوصول إلى الإمام عليهالسلام وان قوله عليهالسلام
« حتى ترى القائم » كناية عن زمان التمكن من الوصول إليه ، فهو كالصريح في الشمول
لحال الغيبة ، فيخصص بها ما دل على التوقف المطلق على فرض وجوده ، ولا يحتاج إلى
التشبث بقاعدة انقلاب النسبة على ما هو من السخافة! كما تقدم بطلانه بأوضح بيان ،
بل يمكن دعوى : ان المشي على هذا المسلك يحدث فقها جديدا ، كما لا يخفى على
المتدرب.