ولكن الانصاف : أن الاحتمال الثاني لو
لم يكن أقرب من الاحتمال الثالث فلا أقل من أن يكون مساويا له ، فانا نرى أن كثيرا
من المخصصات المنفصلة المروية من طرقنا من الأئمة عليهمالسلام
مروية عن العامة بطرقهم عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
فيكشف ذلك عن اختفاء المخصصات المتصلة علينا ، فلا وجه لاستحالة الوجه الثاني أو
استبعاده ، بل يمكن أن يقال : باستحالة الوجه الثالث ، فإنه إن كانت مصلحة الحكم
الواقعي الذي يكون مفاد المخصصات المنفصلة تامة فلابد من إظهاره والتكليف به [١] وإن لم تكن تامة ـ ولو بحسب مقتضيات
الزمان حيث يكون للزمان دخل في ملاك الحكم ـ فلا يمكن ثبوت الحكم الواقعي حتى يكون
مفاد العام حكما ظاهريا ، بل يكون الحكم الواقعي هو مفاد العام إلى زمان ورود
الخاص ، ولا محالة يكون الخاص ناسخا لا مخصصا ، ففي الحقيقة الاحتمال الثالث يرجع
إلى الاحتمال الأول وهو النسخ. وقد عرفت : أنه لا يمكن الالتزام به ، فلا أقرب من
الاحتمال الثاني ، فتأمل جيدا.
وعلى كل حال :
لو تردد الخاص بين أن يكون مخصصا أو ناسخا ، فقيل : بتقديم التخصيص لكثرته وشيوعه
، حتى قيل : « ما من عام إلا وقد خص ».
[١] أقول : تمامية
مصلحة الحكم الواقعي لا يلازم إبرازه فعلا على المكلف ، بل يكفي فيه إيكال إبرازه
إلى أوصيائه عليهمالسلام مع إعطائه الحجة
على خلاف الواقع ، كما لا يخفى.
ثم إن الحكم الظاهري في
المقام هو مفاد أصالة العموم لا مفاد العام ، وهذا التعبير في كلماته أيضا مبني
على المسامحة أو السهو من القلم.
ولئن شئت توضيح ما ذكرنا
بأزيد مما أشرت إليه ، فاسمع بان الغرض من تمامية مصلحة الواقع ان كان عدم وجود
مزاحم له في تنجزه على المكلف وإيصاله إليه ، فلازمه استحالة جعل الطريق على خلافه
، وإن كان الغرض تمامية المصلحة في عالم جعل الحكم واقعا على وفقه ولو لم يصل إلى
المكلف فعلا بل اقتضت المصلحة إيصاله إليه بعد حين ، فذلك لا ينافي مع إبداء العام
على المكلف في صورة كون الحكم المجعول واقعا على طبق الخاص الموكول إبرازه على
وصيه ، كما لا يخفى.