فرق بين عنوان بقاء
الشيء أو الاتحاد بين الشيئين وغيرهما ، فإنهما أيضا كالماء والكلاء من المفاهيم
المحرزة من العرف في مقام شرح لفظها ، وفي هذا المقام لا مجال للاختلاف بين العقل
والشرع أصلا ، إذ لا طريق للعقل في كشف المفاهيم الحاكية عن حقيقة الشيء إلا العرف
خاصا أم عاما. نعم : ربما يقع الاختلاف بينهما ، تارة : فيما قام به عنوان البقاء
والاتحاد ، وأخرى : فيما ينتزع منه هذين العنوانين. وتوضيحه بان يقال : إنه تارة :
يكون مثل هذين العنوانين في حيز الخطاب ، فلا شبهة في حكايتهما عن واقعهما
وحقيقتهما دقة وعقلا ، وحينئذ لا يكون اختلاف العرف والعقل في نفس هذا العنوان ،
وانما اختلافهما يتمحض فيما تقوم به هذا العنوان وهو موضوع الحكم في القضية
المتيقنة ، إذ فيه ربما يرى العقل شيئا لا يصدق حقيقة في الزمان الثاني بقائه حتى
لو التفت العرف إليه لا يرى بقائه ، ويرى العرف شيئا يصدق عليه البقاء حقيقة حتى
بنظر العقل. فحينئذ اختلاف العرف والعقل ليس إلا فيما قام عليه عنوان البقاء حقيقة
، لا في نفسه ، ففي هذا الفرض لابد وان يرجع النزاع في الباب إلى ما سيق لسان
التعبد ببقاء الشيء بلحاظ اي موضوع من العقلي أو العرفي؟ بملاحظة ما يفهمون من
دليل الكبرى ، أو ما يفهمون من نظائره من سنخ هذا الحكم من سائر أحكامهم.
وتارة : لا يكون عنوان البقاء
والاتحاد في حيز الخطاب ، بل انما ينتزع مثل هذه العناوين من ارجاع الشك إلى
اليقين بتوسيط لحاظ اليقين بشيء في متعلق الشك ، إذ مثل هذا اللحاظ يقتضي نحوا من
الاتحاد بينهما الموجب لانتزاع البقاء عنه أيضا. وحينئذ نقول : إن اتحاد هذا
اللحاظ مختلفة ، فتارة : يكون اللحاظ متعلقا بالشئ بتمام خصوصياته المحفوظة فيه
دقة ، وأخرى : يكون اللحاظ بالمتيقن لا بهذه الخصوصية ، ويعبر عنه بالنظر
المسامحي. ثم الملحوظ تارة : نفس ذات الشيء ، وأخرى : ذاته بما هو مدلول الدليل.
وذلك أيضا تارة : بما هو مدلوله بدوا ، وأخرى : مستقرا ، ولو بتوسيط القرائن متصلة
أو منفصلة. ومن المعلوم : أنه من أي نحو من النظر ينتزع نحو من البقاء ، وفي هذه
الصورة ليس مدار اختلاف العرف والعقل في صدق البقاء من جهة الاختلاف في حقيقة
البقاء ولا من جهة اختلافهما في حقيقة الموضوع ، بل ربما يفهم حقيقة الموضوع الحكم
في دليل الكبرى بنحو يراه العقل موضوعا بحيث لا يصدق عليه البقاء حقيقة حتى بنظر
العرف ، ولكن مع ذلك في إرجاع الشك إلى اليقين ربما يكون بلحاظ ونظر مسامحي موجب
لانتزاع عنوان البقاء والاتحاد المسامحي ، ولازم ذلك كفاية هذا المقدار في تطبيق
عموم « لا تنقض » دقة عقلا ، ولكن لا يكفي في تطبيق عنوان « تعبد بالبقاء » على
المورد دقة. ومن هنا ظهر : انه على هذا المسلك لا يحتاج إلى تنقيح موضوع كبرى
الدليل كي يفرق بين الاحكام العقلية والنقلية ثم في العقلية يتشبث إلى فهم العرف
موضوعا آخر بمناسبات ارتكازية عندهم ،