الشارع سد باب
الوقوع فيها ولو بإيجاب الاحتياط في موارد الشك ـ كما أوجبه في باب الدماء والفروج
والأموال ـ وإن كانت المفسدة على الوجه الثاني فللشارع الترخيص في الاقتحام في
موارد الشك بجعل أصالة البراءة والحل. وطريق إحراز كون المفسدة على أي من الوجهين
إنما يكون بقيام الدليل عليه ، فان قام الدليل على وجوب الاحتياط في موارد الشك
فهو ، وإلا كان المتبع عمومات أدلة البراءة والحل.
وأما الاحكام العقلية : فحكم العقل بقبح
شيء إنما يكون على وجه الاطلاق وفي جميع التقادير ، من غير فرق بين العلم والظن
والشك ، فإذا استقل العقل بقبح شيء فيستقل أيضا بقبح الاقدام على مالا يؤمن معه من
الوقوع في القبيح العقلي ، فالأصل في جميع المستقلات العقلية هو الاشتغال ، ولا
مجال للاخذ بالبراءة فيها.
إذا عرفت ذلك فاعلم : أن العقل إذا
استقل بحسن شيء أو قبحه ، فتارة : يكون له حكم واحد بمناط واحد يعم صورة العلم
بتحقق الموضوع والظن به والشك فيه بل الوهم أيضا ، كحكمه بقبح التشريع ، فان موضوع
التشريع وإن كان عبارة عن إدخال ما ليس من الدين في الدين ، إلا أن الذي يستقل
العقل بقبحه هو التدين بما لا يعلم أنه من الدين وإسناد شيء إلى الشارع من دون علم
بأنه منه ، سواء علم بأنه ليس منه أو ظن أو شك ، فيكفي في القبيح العقلي مجرد
احتمال عدم ورود التدين به ، وليس حكم العقل بقبح التشريع في صورة العلم بعدم ورود
التدين به في الشريعة بمناط غير مناط حكمه بقبح التشريع في صورة الظن والشك ، بل
بمناط واحد يستقل بقبح التدين بما لا يعلم أنه من الدين.
وأخرى : يكون للعقل حكمان : حكم واقعي
مترتب على الموضوع الواقعي عند انكشافه والعلم به ، وحكم آخر طريقي في صورة الظن
والشك في تحقق الموضوع ، كحكمه بقبح التصرف في أموال الناس ، فان القبيح العقلي هو