المثبت ، فان جريان
الأصل في أحد المتلازمين لاثبات اللازم الآخر يكون من أوضح مصاديق الأصل المثبت ،
وذلك واضح.
وأما
المقام الثاني : فالحق جريان
الاستصحاب فيه ، سواء كان الشك في الغاية أو الرافع ، وسواء كان الرافع والغاية
شرعيين أو عقليين ، فإنه لا موجب لتوهم عدم جريان الاستصحاب فيه إلا تخيل كون
الاحكام العقلية مما لا يعرضها الاجمال والاهمال فلا يمكن أن يدخلها الشك ، فان
الشك في بقاء الحكم أو الموضوع لابد وأن يكون لأجل انتفاء بعض الخصوصيات التي يكون
الحكم أو الموضوع واجدا لها ، فإنه مع بقاء الشيء على ما هو عليه لا يمكن أن يدخله
الشك. ومن المعلوم : أن العقل لا يستقل بحسن شيء أو قبحه إلا بعد تشخيص الموضوع
وتبينه لديه بتمام ما له دخل في الموضوع ، فكل خصوصية أخذها العقل في الموضوع
فلابد وأن يكون لها دخل في ملاك حكمه ، فلا يمكن الشك في بقاء حكم العقل ، فإنه إن
كان واجدا للخصوصية التي اعتبرها العقل فيه فلا محالة يقطع ببقاء الحكم ، وإن كان
فاقدا لها فيقطع بارتفاع الحكم ، ولا يعقل الشك من نفس الحاكم خصوصا مثل العقل
الذي لا يستقل بشيء إلا بعد الالتفات إليه بجميع ما يعتبر فيه ، فإذا كان كان
الحكم العقلي مما لا يتطرق إليه الشك فالحكم الشرعي المستكشف من الحكم العقلي أيضا
لا يتطرق إليه الشك ، لان الحكم الشرعي تابع للحكم العقلي في الموضوع والملاك ،
فلا يمكن أن يدخله الشك ، فالاستصحاب لا يجري ، لا في الحكم العقلي ولا في الحكم
الشرعي المستكشف منه بقاعدة الملازمة.
ـ كاستحالة اجتماع
النقيضين أو الضدين ـ فلا يتصور فيها الشك ، إذ بمجرد عروض ما يوجب زوال دركه يقطع
بعدم دركه الحسن. نعم : ما هو مشكوك حينئذ هو ملاك حسنه من المصالح الواقعية الغير
المرتبطة بعالم الاحكام العقلية ، وحينئذ فلا ينتهي النوبة إلى ابتناء المسألة
بالأصول المثبتة ، كما لا يخفى. ثم إن المقرر خلط بين نحوي الحكمين فيما يأتي ،
وننتظر لسان خلطه في محله.