والسر في ذلك : هو أن أصالة الحل لا
تثبت كون الحيوان المتخذ منه اللباس من الأنواع التي خلقها الله ( تعالى ) مأكولة
اللحم ، بل غاية ما تثبته أصالة الحل هو حلية أكله ، ومجرد حلية الاكل لا ينفع في
جواز الصلاة في أجزائه ما لم يحرز كونه من الأنواع المحللة ، وقد استقصينا الكلام
في ذلك في رسالة المشكوك [١].
إذا عرفت ذلك ، فنقول : إنه لو سلم كون
الشك في بقاء القدر المشترك فيما نحن فيه مسببا عن الشك في حدوث الفرد الباقي
وعدمه ، إلا أن الترتب في الوجود بين الكلي والفرد إنما هو عقلي ، وليس من
المجعولات الشرعية ، بداهة أن وجود الكلي بوجود الفرد وارتفاعه بارتفاعه إنما يكون
عقليا.
[١] أقول : هنا
اشكال آخر أمتن من الشبهات السابقة لم يتعرضه أستاذ المقرر ظاهرا ، وهو أن وجود
الطبيعي إذا كان عين وجود الافراد ، فعدم الطبيعي أيضا لابد وأن يكون عين عدمها ،
غاية الامر في طرف الوجود يتحقق الطبيعي بوجود واحد ، ولكن في طرف العدم لابد وأن
يتحقق في ضمن عدم جميع الافراد ، فعدم الطبيعي حينئذ قهرا له نحو انبساط في ضمن
أعدام أفراده على حسب قلة أفراده وكثرتها. وعليه نقول : إن لعدم الطبيعي إذا كان
مراتب متفاوتة على حسب تكثر أعدام الافراد ، فلا جرم يصير بمنزلة أمر بسيط يكون ذات
مراتب ، وإذا شك في تحقق مرتبة منه مع العلم ببقية المراتب فحكمه حكم المركب
المحرز بعضه بالأصل وبعضه بالوجدان ، وفي مثله لا بأس باستصحاب هذا العدم وإحراز
بعضه بالأصل وبعضه بالوجدان ، وحينئذ فباستصحاب عدم حدوث الباقي في ظرف الجزم
بانتفاء الزائل يحرز عدم الجامع ، وإن لم يثبت عدم حدوث الجامع من قبل هذا الحادث
المشكوك ، ولذا يبقى شكه بحاله وكان منشأ لجريان استصحاب بقاء الجامع ، ولكن هذا
الأصل بضم الوجدان يثبت عدم الجامع قبال استصحابه ، فيتعارضان.
والتحقيق حينئذ في دفع هذه
الشبهة أن يقال : إن ما أفيد صحيح بالنسبة إلى الطبيعة القابلة للانطباق على
الافراد عرضا ، وأما في صرف الوجود فهو لا يكاد ينطبق إلا على أول وجود الطبيعي لا
ثانيه ، فلا جرم وجود الطبيعي بهذا المعنى يلازم للسبق بالعدم ، فنقيضه أيضا كذلك
، ولازمه كون نقيض الطبيعي المزبور مرتبة من الطبيعي الملازم للسبق بنفسه الاعدام
لا عينها ، وحينئذ لا يجري فيه حكم إحراز بعض المركب بالأصل وبعضه بالوجدان ، مع
أن هذا المعنى مع تعدد الوجود في الخارج كالمركبات في غاية المتانة ، وأما مع
بساطة الشيء على حسب مراتبه : فتصوير إحرازه بالتقريب المزبور يحتاج إلى مزيد تأمل
، فتدبر.