نعم : بناء على مسلكه : من عدم قيام
الطرق والامارات مقام القطع الطريقي يتوجه إشكال جريان الاستصحاب في مؤديات الطرق
والامارات ، فان المؤدى لا يكون محرزا ، فكيف يجري فيه الاستصحاب؟.
ولا يخفى : أنه على هذا لا يمكن الذب عن
الاشكال ، بل لا محيص عن القول بعدم جريان الاستصحاب فيما إذا لم يكن المستصحب
محرزا بالوجدان ، وما دفع به الاشكال لا يحسم مادته ، بداهة أن حقيقة الاستصحاب
وإن كان هو التعبد بالبقاء ، إلا أن التعبد إنما هو ببقاء ما ثبت عند الشك فيه ،
ولا معنى للتعبد بالبقاء على تقدير الثبوت [١]
فان الملازمة كالسببية مما لا تنالها يد الجعل الشرعي ، بل الذي يقبل الجعل الشرعي
هو التعبد بوجود شيء على تقدير آخر ، فينتزع من ذلك السببية والملازمة.
وبالجملة : يتوقف الاستصحاب على إحراز
الحدوث ليصح التعبد ببقاء الحادث عند الشك في بقائه ، ولا معنى للتعبد ببقاء ما شك
في حدوثه ، إلا أن
[١] أقول : مع الغض
عن ألف إشكال عليه قدسسره
لا يكاد يرد عليه هذا الاشكال ، إذ الاستصحاب بعدما كان شأنه إثبات البقاء التعبدي
للواقع وأن توجه النقض إلى اليقين بملاحظة مرآتيته للمتيقن وأنه عبرة لايصال النقض
إلى الواقع ، كما هو مرام من عرفه بابقاء ما كان ، فقهرا يصير البقاء التعبدي من
آثرا الواقع ، وأن الملازمة بينهما كملازمة كل حكم لموضوعه مجعولة بعين جعل الحكم
لموضوعه ، وحينئذ فالامارة على الموضوع أمارة على لازمه الشرعي من الابقاء التعبدي
، فأستاذنا على مبناه أجاد فيما أفاد وأتى بما فوق المراد! وما قيل : من توقف
الاستصحاب على إحراز المستصحب صحيح ، كيف؟ ومع عدم الاحراز رأسا لا ينتهي للأحكام
التعبدية الجارية في مقام العمل ، ولكن إنما يصح لو لم ينته أمره إلى الاحراز ،
وإلا مع انتهاء أمره إلى إحراز صغراه أحيانا فلا قصور في صحة هذا التعبد ، كما هو
الشأن في التعبد بجميع الطرق المنوط صحتها على إحراز الطريق لدى المكلف فالقضية
بأن البينة حجة وخبر الواحد حجة ـ بنحو القضية الحقيقية ـ لا يقتضي إلا إناطة
فعلية التعبد بوجود البينة والخبر واقعا الغير المنفك كثيرا ما مع عدم العلم
بوجودهما أحيانا ، غاية الامر عند العلم بالصغرى يصير التعبد المزبور محركا للعمل
وخارجا عن اللغوية ، فما هو لغو التعبد بشيء لا ينتهي إلى إحراز صغراه أصلا ، وأين
هذا ومقامنا؟ كما لا يخفى.