فمن ذلك يظهر : أن الطهارة الواقعية
ليست شرطا للصلاة ولا النجاسة الواقعية مانعة عنها ، بل للعلم بالنجاسة والطهارة
دخل في الصحة والفساد ، وقد تقدم في مبحث القطع : أن أخذ العلم في موضوع حكم يتصور
على وجهين : أحدهما ـ أخذ العلم في الموضوع بما أنه صفة قائمة في نفس العالم.
ثانيهما ـ أخذه في الموضوع لما أنه طريق وكاشف عن الواقع. ونزيد في المقام وجها
ثالثا ينبغي أن يجعل ذلك استدراكا لما فات منا في مبحث القطع ، وهو أخذه في
الموضوع بما أنه منجز للأحكام ويوجب استحقاق العقوبة عند المصادفة والمعذورية عند
المخالفة.
فان هذه الجهات الثلاث كلها مجتمعة في
العلم ، فيمكن لحاظه وأخذه في الموضوع بكل واحد منها ، ويترتب على ذلك قيام الطرق
والأصول المحرزة وغيرها مقامه ، فإنه على الوجه الأول لا يقوم شيء من الطرق
والأصول مقامة ، وعلى الوجه الثاني تقوم الطرق وخصوص الأصول المحرزة مقامه ولا
تقوم الأصول الغير المحرزة مقامه ـ كما تقدم تفصيل ذلك في مبحث القطع ـ وعلى الوجه
الثالث تقوم الطرق ومطلق الأصول مقامه سواء كانت محرزة للواقع أو لم تكن [١] فكل أصل كان منجزا للواقع يقوم مقامه
ولو كان مثل أصالة الحرمة
[١] أقول : لو كان
المراد من قيام المقام ترتيب الآثار المترتبة على العلم الموضوعي بهذا المعنى على
الأصول الغير المحرزة ، فتصور ذلك لا يخلو عن خفاء ، مثلا لو قيل : يجب الحد على
من شرب ما هو معلوم الخمرية من حيث منجزيته لآثار الخمر ، فإذا فرض إيجاب احتياط
في مشكوك الخمرية من جهة سائر آثاره ، ففي وجوب الحد عليه إشكال ، لعدم إحراز
الخمرية به ، غايته يدل على أنه لو كان خمرا كان منجزا. وهذا المقدار لا يكفي
لترتيب وجوب الحد الثابت للخمر المنجز حرمته على الفرض ، إذ يقال : أين خمريته؟
وإن كان حرمته منجزة على فرض وجوده ، ولذا نقول : إن مثل هذه الأصول لا يقوم العلم
الطريقي المحض أيضا ، وإنما يقوم مقامه بمعنى أن الواقع يتنجز بمثلها كتنجزه