نعم : للشارع الاذن في ارتكاب البعض
والاكتفاء عن الواقع بترك الآخر كما سيأتي بيانه ، ولكن هذا يحتاج إلى قيام دليل
بالخصوص عليه غير الأدلة العامة المتكفلة لحكم الشبهات ، من قبيل قوله عليهالسلام « كل شيء لك حلال » أو « كل شيء طاهر »
قوله « لا تنقض اليقين بالشك » وقوله صلىاللهعليهوآله .
« رفع ما لايعلمون » وغير ذلك من أدلة الأصول العملية ، لان نسبتها إلى كل واحد من
الأطراف على حد سواء : ولا يمكن أن تجري في الجميع لأنه يلزم المخالفة القطعية ،
ولا في الواحد المعين لأنه يلزم الترجيح بلا مرجح ، ولا في الواحد لا بعينه لان
الأصول إنما تجري في كل طرف بعينه : ومقتضى ذلك هو سقوط الأصول بالنسبة إلى جميع
الأطراف ، من غير فرق بين الأطراف التي يمكن ارتكابها دفعة واحدة وبين الأطراف
التي لا يمكن ارتكابها إلا تدريجا ، لاتحاد مناط السقوط في الجميع : ويبقى حكم
العقل بوجوب الخروج عن عهدة التكليف المعلوم على حاله.
فان قلت :
نعم وإن كانت نسبة الأصول إلى كل واحد من الأطراف على حد سواء ، إلا أن ذلك لا
يقتضي سقوطها جميعا ، بل غاية ما يقتضيه هو التخيير في إجراء أحد الأصلين
المتعارضين ، لأنه بعد الاعتراف بعموم أدلة الأصول وشمولها للشبهات المقرونة بالعلم
الاجمالي ـ كما تقدم ـ تكون حال الأصول العملية حال الامارات على القول بالسببية
فيها. وتوضيح ذلك : هو أن التخيير في باب الامارات المتعارضة على ذلك القول إنما
هو لأجل وقوع المزاحمة بينهما في مقام الامتثال ، لعدم القدرة على الجمع بين
الامارات المتضادة في المؤدى : ولابد حينئذ
إما من تقييد إطلاق الامر بالعمل بمؤدى
كل من الامارتين المتعارضتين بحال عدم العمل بالأخرى ـ إن لم يكن أحد المؤديين أهم
وأولى بالرعاية من الآخر ، وإلا فيقيد إطلاق أمر المهم فقط ويبقى إطلاق أمر الأهم
على حاله ـ واما من سقوط الامرين معا واستكشاف العقل حكما تخييريا لأجل وجود