فرق في ذلك بين ما
إذا لم يكن في البين تكليف نفسي أصلا ـ كما في لبس مالا يؤكل فإنه لم يتعلق به نهي
نفسي مطلقا لا في الصلاة ولا في غير الصلاة لعدم حرمة لبسه في جميع الأحوال ـ وبين
ما إذا كان في البين تكليف نفسي أيضا ـ كما في لبس الحرير ـ فإنه قد اجتمع فيه كل
من الخطاب الغيري والخطاب النفسي ، لحرمة لبس الحرير على الرجال مطلقا في الصلاة
وغيرها ، ولكن منشأ انتزاع شرطية عدم لبس الحرير في الصلاة ليس هو النهي النفسي ،
بل هو النهي الغيري ، فكل من الشرطية والحرمة مستقلة في الجعل ، وليس جعل الشرطية
بتبع جعل الحرمة ، بل كل منهما مجعول في عرض الآخر ، فالشك في جعل أحدهما لا يكون
مسببا عن الشك في جعل الآخر ، وحينئذ يكون كل منهما مجرى لأصالة البراءة عند الشك
فيهما ، ولا يغني جريان الأصل في أحدهما عن جريانه في الآخر ، فلو فرض أنه مورد شك
في حرمة لبس الحرير وشرطية عدمه في الصلاة ، فأصالة البراءة تجري في كل من الشرطية
وحرمة اللبس على حدة ، كما إذا انحصر الشك في أحدهما فقط ، لاستقلال كل منهما
بالوضع والرفع الشرعي ، وذلك واضح ، هذا كله إذا كان منشأ انتزاع الشرطية هو
التكليف الغيري.
وإن كان منشأ انتزاعها هو التكليف
النفسي :
فتارة : يكون منشأ الانتزاع هو التكليف
الواصل إلى المكلف ، كما هو أقوى الوجهين في باب الغصب ، فان اشتراط عدمه في
الصلاة إنما هو لأجل وقوع
يكون في رتبة سابقة
عن وجوبه ، ولا نعنى من حيثية مقدميته إلا شرطيته ، وحينئذ كيف انتزاع الشرطية
التي بها قوام المقدمية عن وجوبه غيريا؟ وحينئذ ليس منشأه إلا بدخل تقيد موضوع
تكليفه النفسي بهذا الشيء ، وهذا التقيد أيضا مأخوذ في رتبة سابقة عن وجوبه نفسيا
، فلا يعقل انتزاع الشرطية عن الحكم النفسي المتعلق بالمقيد ، ولذا حققنا بأن
شرطية شيء للواجب يستحيل أن يكون منتزعا عن التكليف ، بخلاف الجزئية أو الشرطية
للتكليف كما لا يخفى ، فتدبر.