بل هذا أيضا لا يثبت المدعى إلا على
القول بالأصل المثبت ، فإن مجرد رفع المشكوك لا أثر له ما لم تثبت سببية الناقص
وترتب المسبب عليه ، وذلك مبني على الأصل المثبت.
فتحصل : أنه في موارد الشك في المحصل
وتردده بين الأقل والأكثر لابد من الاحتياط ، ولا تجري البراءة مطلقا وإن كان
المحصل شرعيا [١].
الفصل الثاني
في دوران الامر بين
الأقل والأكثر في الشبهات التحريمية
كتردد الغناء بين أن يكون هو مطلق ترجيع
الصوت ، أو بقيد كونه مطربا.
والظاهر : أن تكون الشبهات التحريمية
على عكس الشبهات الوجوبية ، فإنه في الشبهات الوجوبية يكون الأقل متيقن الوجوب
والأكثر مشكوكا ، وفي
السببية ، فإن تعلق
التكليف بالأكثر في باب متعلقات التكاليف وإن كان مشكوكا ، إلا أن تحقق الامتثال
وحصول البراءة عن التكليف عند الاتيان بالأكثر يكون معلوما ، وفي باب الأسباب يكون
الامر كذلك ، فان جعل الأكثر سببا وإن كان مشكوكا إلا أن ترتب المسبب عليه يكون
معلوما ، وكذا الحال في طرف الأقل ، فإنه كما يكون متعلق التكليف بالأقل في باب
متعلقات التكاليف يكون معلوما ، كذلك دخل الأقل في ترتب المسبب في باب الأسباب
يكون معلوما ، فلا فرق بينهما في كل من طرفي الأقل والأكثر ، وحينئذ يصح أن يقال :
إنه يمكن رفع الجزئية المشكوك فيها برفع منشأ انتزاعها وهو جعل الأكثر سببا كما في
متعلقات التكاليف ، ولا يحتاج إلى جعل الجزئية بجعل مغاير لجعل المسبب ، فتأمل (
منه )
[١] أقول : على
مختاره : من كون حكم العقل بالفراغ تعليقيا ـ كما هو أساس بنائه على اقتضاء العلم
بالنسبة إلى الموافقة القطعية وأن الأصول إنما يتساقط من أطراف العلم بالتعارض ـ
لا وجه لالتزامه في المقام بالاحتياط ، لما مر من عدم قصور في جريان أدلة
الترخيصات الظاهرية بالنسبة إلى الفراغ المشكوك من ناحية المشكوك الدخل في السبب ،
فتدبر بعين الدقة.