ثم إن المحاذير
المتوهمة من التعبد الأمارات ـ منها : ما
يرجع إلى المحذور الملاكي. ومنها : ما يرجع إلى المحذور الخطابي [١].
أمّا
الأوّل : فتقريبه ـ أنه يلزم من التعبد بالظن
تفويت المصلحة والإلقاء في المفسدة عند مخالفة الظن للواقع ، وإدائه إلى وجوب ما
يكون حراما أو حرمة ما يكون واجبا [٢]
وإلى ذلك ينظر الاستدلال المحكى عن « ابن قبة » من أنه يوجب تحليل الحرام وتحريم
الحلال.
ولا يخفى : أن محذور
تفويت المصلحة والإلقاء في المفسدة يتوقف على أمور :
الأول : الالتزام بتبعية الأحكام
للمصالح والمفاسد في المتعلقات وأن تلك المصالح تجرى في عالم التشريع مجرى العلل
التكوينية من استتباعها للأحكام وكونها لازمة الاستيفاء في عالم التشريع [٣] لا أنها من المرجحات والمحسنات لتشريع
الأحكام من دون أن تكون لازمة الاستيفاء ، فإنها لو كانت كذلك لا يلزم من تفويتها
محذور.
الثاني : الالتزام بأن المجعول في باب
الأمارات نفس الطريقية المحضة و
[١] أقول : في
المحذور الخطابي جهتان : إحديهما شبهة التضاد بين الحكمين عند المخالفة ، والأخرى
شبهة نقض الغرض ، بتقريب : أن مع فرض تعلق الإرادة بشيء يستحيل جعل شيء يوجب تفويت
مرامه ، كما لا يخفى.
ثم إن هذه الشبهة مختص بصورة
المخالفة ، ولا يجرى عند موافقة الأمارة للواقع ، بخلاف شبهة التضاد ، فإنه يجرى
حتى في صورة الموافقة ، لأن المثلان كالضدان ، بناء على التحقيق : من عدم مجيء
شبهة التأكد في المقام ، كما توهم.
[٢] أقول : أو إداء
الجعل إلى تفويت مرامه باختياره الراجع إلى نقض غرضه ، ويمكن إرجاع كلام « ابن قبة
» إليه أيضا.
[٣] أقول : يعنى
اقتضائه له على وجه قابل لمنع المانع في عالم الوجود مع كونها علة تامة للخطاب
وتشريع الأحكام من دون منافاة بينهما ، إذ هذا المعنى يناسب كلام الإمامية لا
العلية المطلقة.