العمل قبل وقوعه من
العامل وأنه مستحب ، ولا بصدد بيان إلقاء شرائط حجية الخبر الواحد في المستحبات
وأنه لا يعتبر فيها ما يعتبر في الخبر القائم على وجوب شيء : من الوثاقة أو
العدالة.
ولا يمكن التمسك باطلاق الموضوع ـ وهو
البلوغ ـ ويقال : إن الموضوع في القضية مطلق لم يعتبر فيه شرائط الحجية ، فان
الإطلاق في القضية إنما سيق لبيان حكم آخر وهو إعطاء الثواب على العمل الذي بلغ
عليه الثواب ، وإذا كان الإطلاق قد سيق لبيان حكم آخر لحكم نفسه فلا يجوز التمسك
به ، نظير قوله تعالى :
« فكلوا ممّا أمسكن عليه »
[١] فان إطلاق
الأمر بالأكل قد ورد لبيان حلية
كما هو الشأن في
التجري بالإضافة إلى العقوبة.
وحيث كان كذلك نقول : إن
الظاهر من بلوغ الثواب كونه كناية عن الإخبار بسببه من وجوب أو استحباب ، كيف!
وغالب الأخبار الذي هو محط هذه الروايات من هذا القبيل وقل اشتمالها على مجرد
إخبار الثواب ، نظير « من سرح لحيته » وأمثاله ، وحينئذ أمكن بقرينة السياق جعل
الثواب الموعود أيضا كناية عن إثبات مقتضيه خصوصا مع التعبير في بعض الأخبار
بالأجر ، وحينئذ لا يناسب مثل هذا البيان للتفضل ، إذ الثواب التفضلي لا يكون أجرا
، ولا كناية عن ثبوت مقتضيه ، فلا محيص إلا من حمل هذه النصوص لبيان استحباب العمل
مولويا أو الحمل على بيان طريقية الخبر لإثبات الاستحباب على المختار.
نعم : على مذهب « المقرر » لا
محيص على تقدير الكناية من حمل الروايات على الاستحباب المولوي الشامل بنصها لصورة
مخالفة البلوغ للواقع ، فيصير البلوغ المزبور حينئذ مما له الموضوعية في ترتب هذا
الثواب ، كما أنه على المختار يكون الأخبار قابلا للحمل على الطريقية وقابلا للحمل
أيضا على محض الإتيان برجاء الواقع بلا طريقية ولا نفسية ، كما يشهد له قوله « طلب
» وقوله « والتماس ذلك الثواب » ولازمه جعل هذه الأخبار إرشادا إلى حكم العقل بلا
مولوية نفسية ولا طريقية ، لاستقلاله بذلك ، كما لا يخفى. ولعمري! أن المتيقن من
الأخبار هو ذلك ، لا المولوية ولا حجية قول المبلغ ، كما لا يخفى.
وعلى أي حال : لا وجه لحمل
النصوص بصورة كون خبر المبلغ واجدا لشرايط الحجية ، إذ كما أن الخبر الصحيح كان
داعيا على العمل كذلك رجاء الوصول إلى الواقع أيضا ربما يكون داعيا عليه ، ومع هذا
الاحتمال لا يبقى مجال الحمل على صورة وجدان الخبر لشرائط الحجية. وتوهم : أنه على
هذا لا يكون البلوغ داعيا بل احتمال الثواب داعي ، مدفوع بأن البلوغ كناية عن
إحتماله.