والإنصاف ، أن أظهر ما استدل
به على البراءة من الأخبار هو « حديث الرفع » وفيه الكفاية.
وأمّا
الإجماع :
فقد أفاد الشيخ قدسسره في تقريره وجوها.
ولكن الذي ينفع منه في المقام هو إجماع
العلماء كافة من الأصوليين والأخباريين على
البراءة ، والإجماع على هذا الوجه لم ينعقد ،
بل هو مقطوع العدم ، كيف! وجل الأخباريين ذهبوا إلى وجوب الاحتياط في الشبهة
التحريمية الحكمية التي هو مورد البحث ، ولا يمكن دعوى عدم قدح مخالفتهم في تحقق
الإجماع مع أن جملة منهم من أجلاء الأصحاب وأعيانهم. وأما بقية تقريرات الإجماع :
فلا يمكن الركون إليها والاعتماد عليها ، بحيث تقدم أو تعارض ما سيأتي من الوجوه
التي تمسك بها الأخباريون على وجوب الاحتياط ، لو تمت دلالتها وسلمت عن المناقشة
في حد نفسها.
وأمّا
العقل :
فحكمه بالبرائة مما لا يكاد يخفى ،
لاستقلاله بقبح العقاب بلا بيان واصل إلى المكلف بعد إعمال العبد ما تقتضيه وظيفته
من الفحص عن حكم الشبهة واليأس عن الظفر به في مظان وجوده ، ولا يكفي في صحة
المؤاخذة واستحقاق العقوبة مجرد البيان الواقعي مع عدم وصوله إلى المكلف ، فان
وجود البيان الواقعي كعدمه غير قابل لأن يكون باعثا ومحركا لإرادة العبد ما لم يصل
إليه ويكون له وجود علمي.
فتوهم : أن البيان في موضوع حكم العقل بقبح
العقاب بلا بيان هو البيان الواقعي
ـ سواء وصل إلى العبد أو لم يصل ـ فاسد ، فان العقل وإن استقل بقبح العقاب مع عدم
البيان الواقعي ، إلا أنه استقلاله بذلك لمكان أن مبادئ الإرادة الآمرية بعد لم
تتم ، فلا إرادة في الواقع ، ومع عدم الإرادة لا مقتضى لاستحقاق العقاب ، لأنه لم
يحصل تفويت لمراد المولى واقعا ، بخلاف البيان