ذلك. وليس مرادهم ان
هناك لفظا منويا في الكلام ومقدرا فيه ، بل الظرف المستقر هو بنفسه يفيد ذلك من
دون ان يكون هناك تقدير في الكلام ، إذ معنى قولك : زيد في الدار ، هو وجود زيد في
الدار ، وانه كائن فيها. وهذا بخلاف قولك : ضرب زيد في الدار ، فإنه يفيد نسبة
الضرب الحاصل من زيد إلى الدار ، فالظرف اللغو ما أفاد نسبة المبدء إلى ملابسات
الفعل بعد فرض تحقق المبدء وصدوره عن الفاعل. وهكذا الكلام في كلمة ( على ) حيث
إنها تارة : تفيد نسبة قيام العرض ، وأخرى : تفيد نسبة الملابسات ، فيقال زيد على
السطح ، وضرب زيد على السطح ، وكذا الكلام في كلمة ( من ) فإنها تارة يكون الظرف
فيها مستقرا كقوله (ص) : حسين منى وانا من حسين ، وأخرى : يكون لغوا كقولك : سرت
من البصرة ، حيث إنها تفيد نسبة السير إلى ملابسه من المكان المخصوص.
وحاصل
الفرق بين الظرف اللغو والمستقر ، هو ان الظرف المستقر ما كان بنفسه محمولا كقولك
: زيد في الدار ، والظرف اللغو يكون من متممات الحمل. فتحصل من جميع ما ذكرنا : ان
النسبة على اقسام ، والمتكفل لبيانها أمور : من هيئات التراكيب ، والحروف الجارة.
وليكن هذا على ذكر منك لعله ينفعك في مبحث المشتق.
إذا
عرفت ذلك ، فلنرجع إلى ما كنا فيه من أن الهيئات والحروف المفيدة للنسبة أيضا تكون
معانيها ايجادية لا اخطارية.
فنقول :
قد تقدم ان منشأ توهم ذلك هو تخيل ان
هذه الحروف انما تكون حاكية عن النسبة الخارجية المتحققة من قيام إحدى المقولات
بموضوعاتها ، ومن هنا تتصف بالصدق والكذب ، إذ لولا حكايتها عن النسبة الخارجية
لما كانت تتصف بذلك ، بداهة ان الايجاديات لا تتصف بالصدق والكذب ، بل بالوجود
والعدم ، وما يتصف بالصدق والكذب هي الحواكي ، حيث إنه ان طابق الحاكي للمحكي يكون
الكلام صادقا ، والا فلا ، فكلمة ( من ) في قولك سرت من البصرة إلى الكوفة تكون
حاكية عن النسبة الخارجية الواقعة بين السير والبصرة ومخطرة لها في ذهن