الادراك ، وله نحو
تقرر وثبوت ، سواء كان المعنى من مقولة الجواهر ، أو من مقولة الاعراض ، إذ
الاعراض انما يتوقف وجودها على محل ، لا ان هويتها تتوقف على ذلك ، حتى الاعراض
النسبية ، كالأبوة والبنوة ، فان تصور الاعراض النسبية وان كان يتوقف على تصور
طرفيها ، الا انه مع ذلك لها معنى متحصل في حد نفسه عند العقل ، وله نحو تقرر
وثبوت في وعاء التصور والادراك.
والحاصل :
ان المراد من كون المعنى الأسمى قائما
بنفسه ، هو ان للمعنى نحو تقرر وثبوت في وعاء العقل ، سواء كان هناك لافظ ومستعمل ،
أو لم يكن ، وسواء كان واضع ، أو لم يكن ، كمعاني الأسماء : من الأجناس والاعلام ،
من الجواهر المركبة والمجردات والاعراض وكل موجود في عالم الامكان ، فإنه كما أن
لكل منها نحو تقرر وثبوت في الوعاء المناسب له من عالم المجردات وعالم الكون
والفساد ، فكذلك لكل منها نحو تقرر وثبوت في وعاء العقل عند تصورها وادراكها ، من
دون ان يكون لاستعمال ألفاظها دخل في ذلك ، بل معاني تلك الألفاظ بأنفسها ثابتة
ومتقررة عند العقل في مقام التصور ، كما يشاهد ان للفظة الجدار مثلا معنى ثابتا
عند العقل في مرحلة ادراكه وتصوره على نحو ثبوته العيني التكويني ، من دون ان
يتوقف ادراكه على وضع ولفظ واستعمال ، كما لا توقف لوجوده العيني على ذلك ، فهذا
معنى قولهم : ان الاسم ما دل على معنى قائم بنفسه ، إذ معنى كونه قائما بنفسه هو
ثبوته النفسي ، وتقرره عند العقل.
واما
معنى قولهم : ان الحرف ما دل على
معنى في غيره ، أو قائم بغيره ، فالمراد منه : هو ان المعنى الحرفي ليس له نحو
تقرر وثبوت في حد نفسه ، بل معناه قائم بغيره ، لا بمعنى انه ليس له معنى ، كما
توهمه من قال إنه ليس للحروف معنى بل هي علامات صرفه ، بل بمعنى ان معناه ليس
قائما بنفسه وبهوية ذاته ، بل قائم بغيره ، نظير قيام العرض بمعروضه وان لم يكن من
هذا القبيل ، الا انه لمجرد التنظير والتشبيه ، والا فللعرض معنى قائم بنفسه عند
التصور ، وان كان وجوده الخارجي يحتاج إلى محل يقوم به.