ومن جميع
ما ذكرنا ظهر أيضا ضعف ما في بعض الكلمات : من ارجاع باب التزاحم إلى تزاحم
المقتضيين ، والتعارض إلى تعارض المقتضى واللا مقتضى ، وجعل مثل أكرم العلماء ولا
تكرم الفساق من باب التزاحم لوجود المقتضى لكل منهما ، وليسا من باب التعارض. وذلك
لان مجرد تزاحم المقتضيين لا يصحح الاندراج في باب التزاحم المقابل لباب التعارض ،
والا لكان جميع موارد التعارض من باب التزاحم ، لكاشفية كل دليل عن ثبوت المقتضى
لمؤداه ، فيلزم ان يكون جميع موارد تعارض الدليلين من تزاحم المقتضيين.
فالعبرة في التزاحم انما يكون بتزاحم
الحكمين في مقام الفعلية لا تزاحم المقتضيين ، والا فقد يتزاحم المقتضيان ثبوتا في
نفس الامر ولا محالة يقع الكسر والانكسار بينهما ، فينشأ الحكم على طبق أحدهما ان
ترجح في نظره أحد المقتضيين ، والا فعلى كل منهما تخييرا. وليس ذلك من تزاحم
الحكمين ، ولذا يعتبر في باب التزاحم ان يكون المكلف عالما بالحكم واصلا إليه ، لان
الحكم الذي لم يصل إلى المكلف لا يمكن ان يكون مزاحما لغيره ، لان المزاحمة انما
تنشأ من شاغلية كل من الحكمين عن الآخر واقتضاء صرف القدرة إليه ، والحكم الغير
الواصل لايكون شاغلا لنفسه ، فكيف يكون شاغلا عن غيره؟ فالتزاحم لايكون الا بعد
العلم والوصول. وهذا لا ربط له بتزاحم المقتضيين ، لان تزاحم المقتضيين انما يكون
في عالم الثبوت ونفس الامر من دون دخل لعلم المكلف وجهله ، فارجاع باب التزاحم إلى
تزاحم المقتضيين مما لا يستقيم ، وسيأتي مزيد توضيح لذلك انشاء الله تعالى في مبحث
اجتماع الأمر والنهي.
المقام الثاني
في منشأ التزاحم وهو أمور خمسة :
الأول
: تضاد المتعلقين ، بمعنى انه اجتمع
المتعلقان في زمان واحد ، بحيث لا يمكن للمكلف فعلهما ، كما في الغريقين ، والإزالة
والصلاة ، وأمثال ذلك مما اجتمع المتعلقان في زمان واحد.