كون الشخص في معرض
الابتلاء وان لم يعلم بالابتلاء ، لان مناط حكم العقل ـ وهو لزوم رواح العبد إلى
باب المولى وان ذلك من وظيفته ـ لا يختص بالعالم بان للمولى مرادا ، بل يكفي
احتمال ذلك مع كونه في معرض ذلك ، ومن هنا قلنا : انه يجب على المكلف تعلم مسائل
الشك والسهو ولو لم يعلم بابتلائه بهما ، الا إذا علم بعدم الابتلاء فإنه لا يجب
عليه ذلك ، ولكن انى له بهذا العلم؟ وكيف يمكن ان يحصل لاحد ، مع أن الشك والسهو
امر يقع بغير اختيار وعلى خلاف العادة ، فمجرد انه ليس من عادته السهو والشك لا
يكفي في حصول العلم.
وعلى كل حال : لا اشكال في لزوم التعلم
إذا كانت المسألة مما تعم بها البلوى ، كمسائل السهو والشك ، والتيمم وغير ذلك ، من
غير فرق بين ان يعلم بالابتلاء أولا يعلم.
واما لو لم تكن المسألة مما تعم بها
البلوى ، فظاهر الفتاوى عدم وجوب التعلم مع عدم العلم أو الاطمئنان بعد الابتلاء
ولعله لجريان أصالة عدم الابتلاء ، فان حكم العقل بوجوب التعلم لما كان حكما
طريقيا ، نظير حكمه بالاحتياط في باب الدماء والفروج والأموال ، كان الأصل
الموضوعي رافعا لموضوع حكم العقل ، فيكون استصحاب عدم الابتلاء في المقام نظير
استصحاب ملكية المال في باب الأموال ، فكما لا يجب الاحتياط عند استصحاب ملكية
المال لخروج المال ببركة الاستصحاب عن احتمال كونه مال الغير الذي هو موضوع حكم
العقل بلزوم الاحتياط ، كذلك استصحاب عدم الابتلاء يوجب دفع احتمال الابتلاء الذي
هو الموضوع عند العقل بلزوم التعلم.
وبعبارة أخرى : موضوع حكم العقل بلزوم
التعلم انما هو الحكم الذي يبتلى به ، واستصحاب عدم الابتلاء يرفع ذلك الموضوع ، ولا
دافع لهذا الاستصحاب الا توهم عدم جريان الاستصحاب بالنسبة إلى المستقبل ، أو توهم
ان حكم العقل في المقام نظير حكمه بقبح التشريع الذي يحكم بقبحه في صورة العلم
والظن والشك والوهم بمناط واحد ، ومن هنا لا تصل النوبة إلى الأصول الشرعية كما
فصلنا الكلام في ذلك في محله.